الأربعاء، 17 فبراير 2010

على هامش حكاية رفيق الحسيني ... الإستغلال الصهيوني للجنس




يتباهى الصهاينة بأن كيانهم نشأ على فخذ المرأة اليهودية.. ويفخر الكوبيين بأن أجود بضاعتهم من السيجار لفّ على نهود الحسنوات, حتماً كلا المنتجين مصيرهما الحرق والدخان, فالدعاية المثيرة لا تكسب أي المنتجين إضافات أنتاجية فذة.. بقدر ما تحمله من دعاية رخيصة هدفها بالأساس الإستغلال الجنسي لكسب موالين جدد يمتازون بالكبت. فالترويج للمنتج بواسطة المرأة لا يقوم على إبراز جودته بقدر ما يقوم على خلق صورة وهمية يحتاجها المرضى المستهلكون لذلك المنتج.. وكانت الصورة هي المرأة وأعضائها الإغرائية, لبث شكل غرائزي مثير أكثر مما هو كفاءة إنتاجية. يصف الأخلاقيون هذا الإستغلال الإعلاني بأنه متاجرة غير شرعية يقل من كرامة المرأة, فيما يصفه العرب: "تشبع النذلة من ثدييها".. وقد يقول عنه المواطن الشعبي بأنه عمل "قوادة" لن يجمل دناوته صراخ ميكافللي: إبحث عن الغاية!! ووسيلة الغاية هنا بأنه "لا يقدر على إحضارها سوى نسوانها" ؛ والمثل الأخير هو الأقدر على وصف رواج سياسات الكيان الصهوني "كسلعة" يحبذها المكبوتين للمادة او للجنس دون الخوض في أخلاقيات الوسيلة وشرعية الإشباع.



فالتراث اليهودي محشو حتى أسفل سافليه بالمؤامرات الجنسية التي تفضحها توراتهم قبل أي كتاب آخر, إبتداءاً من (إيستر) اليهودية التي أستعملت جسدها كمفتاح لإثارة الملك (قورش) ومن ثم إستغلاله لتخليص اليهود من السبي البابلي.. ومروراً بـ (دليلة) التي فكت شيفرة القوة لدى (شمشمون) الجبار, ودون ان نغفل ان التوراة هي الوحيدة التي تحمل أسماً مؤنثاً دون الكتابين السماويين الآخريين (القرآن الكريم والإنجيل)... الهذا دلالة خفية؟



وفي العصر الحديث, بخلاف كل الإحتلالات –الطويلة- التي مرت على فلسطين, كان اليهود هم الأسبق في إفتتاح أول وكر للدعارة المرخصة في الأرض المقدسة, إذ أستخدم (الحاخامات!) اليهود بنات شعبهم –المختار-(!!) سلعة جنسية للترفيه عن ضباط الإنتداب البريطاني في عشرينيات القرن الماضي لكسب ولائهم, حيث دُمج الجنس بالسياسية, لتصدق مقولة أن إسرئيل أقيمت على فخذ إمراة لأنها الوسيلة المادية الأولى, فالعامل المشترك بين الجنس والسياسة.. أن كل الفعليين يطلق عليهما صفة (الممارسة), ولكن الفرق الواضح أن السياسة تمارس في العلن فيما يمارس الجنس بالخفاء, فممارسة السياسي للجنس علناً لا يطلق عليه لقب الشفافية السياسية.. ولن يقف فيه السياسي موقف تشرتشل وهو يقول: ها انا عاري أمامكم ولا أخفي عن حضراتكم شيئاً. ولكن تلك الممارسة العلنية للمستور هو إهانة تجعل السياسي يهبط أخلاقياً وشرعياً من أعين شعبه كما هبط سيدنا آدم من الجنة بسبب شفافيته الجسدية العارية.. ولكن من الملام. آدم ام الشيطان؟



الواضح ان السيد رفيق الحسيني (آدم) وقع في فخ التفريق بين الأخلاق العامة والأخلاق الخاصة.. وهذا إزداوج في تكوينه النفسي, فأخلاقه العامة –فيما يبدو ظاهرياً- لا غبار عليها, والدليل أن فضحه بتلك الصورة الهمجية يدل على أنه رفض تقديم الولاء,(بعكس الملك قورش وضباط الإنتداب), ولكن صورته على المستوى الأخلاقي والإجتماعي وحتى العائلي تضعه في موقف لا يحسد عليه, بل وتجعل الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون يتعاطف معه بصفته شريكاً في المصيدة(هل تذكرون مونيكا ليونتسكي اليهودية!).



فالمأزق الذي يمر به الحسيني كان سببه نزوة تُعلق عليها ثلثي أخطاء البشرية, خاصة اننا نحيا عصر الإستغلال المستورد, حتى درج بيننا المثل الحداثي القائل بأنه (أمام كل رجل مسؤول إمرأة يتسلق عليها للوصول), ولكن الكائن السياسي الذي يمثله السيد الحسيني بصفته المعنوية وضع الشعب الفلسطيني بأكمله في شريط الخطيئة أولاً, وفي الصورة المتسائلة ثانياً: هل تورط غيره من المسؤولين في ذلك الشرك الأخلاقي ويمارس عليهم الصهاينة إستغلالهم المعهود لكسب الولاء؟

إذا كانت الإجابة بـ"نعم".. فالحل أن لا يبقوا الأمر سراً حتى لا يجرفهم الخطأ إلى الخطايا, عندها سيسامحهم الشعب ويعاملهم بخواتم أمورهم, وربما سنقول: من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر, وذلك أفضل من العبودية التي ثمنها مجرد نزوة, فالشعب الفلسطيني قبل المسؤولين, أعلم أهل الأرض بسياسات ذلك الكيان الذي لفّ على فخد غانية, ومورس ضده كل وسائل (الإسقاط) الأخلاقي, إلا انه لم يقع فيها سوى قلة من الذين خافوا (الفضيحة) دون أن يعترفوا بها ويصلحوا الذي كُسر, ولأن مربط العربي شرفه, فالحل ما قاله شمشون: عليّ وعلى اعدائي يا رب, ولا رحمة لخائن

السبت، 19 ديسمبر 2009

الفولاذ شرق مصر




الفولاذ شرق مصر

هل تكره الحكومة المصرية شعب فلسطين أم تخاف منه؟ أي إجابة لن يصدقها العقل بما في ذلك إنها تحرص علينا.
فلم يكن شعب فلسطين يأجوج ومأجوج كي يخشاه حاكم مصر وينفخ الحديد والفولاذ عليه, وقد نوافقه في سجننا لو أن المصري الأول بنى أبو الهول وهو ينظر إلى الغرب كارهاً شرقه, وسنعذره لو أن أخناتون لم يصلي للشمس التي تُشرق عليه من سماء فلسطين.
ولكن لا التاريخ المصري القديم ولا الديانة المصرية الأولى برغم وثنيتها رأت أن فلسطين تهب الموت بدلاً من إله الشمس (رع). فقط نعلم أنه كلما أندس عدو بين شقيقين سيبنى جدار (في بغداد وحدها 18 جداراً).
مع بداية الثمانينيات وعندما بدأت إتفاقية (كام ديفيد) تعطي أُكلها أصدر الأديب المصري "بهاء طاهر" روايته الواقعية (شرق النخيل), وحاول من خلالها قراءة المستقبل عبر ماضٍ مهزوم, ففي الرواية يكبر الفتى بطل الرواية في حياة ملئها الفشل الجامعي والأخلاقي محاولاً طرد صورة أبيه "الجبان" من حياته وفكره.. حيث بنية طفولته المبكرة في ظل معاهدة الصلح التي وقعها إبوه مع قاتل عمه, فلم يكتفي الأب بمسالمة قاتل أخيه, ولكنه تنازل مع السلام عن أرض جده التي قُتل العم فداءاً لها.. فكانت المصيبة مضاعفة (دم وأرض), والذي بقي من إرث العائلة فقط الدم المهدور وذكريات أرض مسروقة, بالإضافة إلى والد الفتى "المسالم" .. أبٌ ذليل يريد أن يحيا حياته كما الحياة تريده.. لا كما هو يريدها ان تكون, أبٌ خانع في نظر إبنه الذي يؤمن بأن الآف الأبطال لن يستطيعوا محو الجينات المستلسلمة التي قد يورثها لنسله, والفتى المتمرد الذي أحب عمه القتيل وآمن بقضية أرض أجداده التي بيعت فداءاً (للستر) وليت العار يستر العاري, فيحاول الفتي دون علم أبيه النفاذ إلى (شرق النخيل) خلسة, وكان يستطيع, ولكن (زن) الأب مُدعي الحكمة كان له بالمرصاد .. يخيفه بإطلاق الشائعات بأن الأشباح المخيفة والكلاب المستأسدة التي تحيا شرق النخيل تفتك بكل زائر .. دون أن يوضح له كيف أن الأشباح لا تؤذي إلا أصحاب الأرض فقط, فييأس الفتي أخيراً ويسافر إلى المدينة, ولكن ضوضاء الحضارة والمدنية لم تقدر على تدجينه فيما هو لم يستطع الفكاك من موروث الطفولة المؤلم, فترى الفتى عائماً بين ماضي يكرهه ويراه ذلاً, وبين واقع لم يدخله قوياً كي يقدر على معايشته, فكان الفشل الجامعي قدراً والمخدرات هي المنقذ, ويتراكم عليه الفشل إلا ان يمر بمظاهرة طلابية تهتف لفلسطين.. فعاد وعيه إلى ذاته بعدما تذكرطريق أفضل للرفض غير التقوقع وجلد الحاضر بأوزار الماضي, لينتهي السرد الروائي مع هتاف الفتى الذي على صوته, وصرخ بكل الكلام الصامت الذي كتمه منذ سنين: "إصحي يا مصر", يقولها كأنه يهتف لنفسه, فقضيه مع بلده كانت وحدة.
تغنينا رواية (شرق النخيل) عن مئات التحليلات المتلفزة, التي تحاول فك التشابك الإجتماعي والثقافي المكونين لوعي المواطن العربي الساكن وراء كراسي ضخمة من الخوف والتنازل, حيث بدى بأن الوعي والثقة لم ولن تعود إلى المواطن -الفتى-الذي يشق طريقه في الحياة إلا عبر الرجوع إلى شمولية المشكلة, فالإنتماء للقضايا الكبرى سيغسل عار الذنوب الصغرى, ويمكن تطبيق هذه النظرية على الأحزاب المصرية الحالية.. وكيف أنها تتخذ من القضايا الكبرى (قومية وإسلامية) قاعدة لأصلاح الفساد الداخلي, فالقضية أيضاً واحدة, فيما ان الجرح "الحكومي" والصُلح الغير عادل يولد عاراً مورثاً لأبناء مصر, ويبنى عليه بمحاولة فصل المواطن عن أساس مشكلته الأولى التي تعاقد الأسلاف على بيعها (فلسطين), فأثرت سلباً في إرث وثقافة المواطن العربي ككل؛ نقص في النمو وتخلف ثقافي تشترك كل الأكتاف المحنية في حمله, ناهيك عن شذوذ الوعي وفقد الثقة, والحكومات ضلت السبيل, تارة بوهم القوة لدى العدو, والآن ببناء الحواجز الفولاذية بدلاً من مد الجسور وحفر الأنفاق..
- يطمئنني أخي المصري بأن أبو الهول ما يزال ينظر إلى الشرق
فأُجيبه: لا أشباح ولا جداران فولاذية تستطيع أن تحجب مليون كم2 من التاريخ والأخوة بين أملنا وخلاصكم.



.

السبت، 12 ديسمبر 2009

شجاعة المستوطنين!



وقف ضابط صهيوني على تلال دير ياسين وقال: لن أستطيع السيطرة عليهم يوماً واحداً ولكني أستطيع أبادتهم في يوم واحد. فكانت الإبادة هي الأقل كلفة, وتمت المجزرة.
اليوم وبعد ستين عاماً من مجزرة دير ياسين ربما يطل مستوطن من "كيبوتس" ما ويتأمل القرى الفلسطينية تحته ويقول: لا حاجة للقتال.. فها نحن نسيطر عليهم بأقل ثمن". بأقل ثمن؟ نعم وبالمجان تقريباً, فمن وجهة نظر المستوطنين لا فرق بين الإبادة التي تمت عام 48 وبين صورة السِلم الحاصل الآن.. فكلا الحالتين تحدثان أمناً للمُحتل, وهذا هو المطلوب.
في بداية إنتفاضة الأقصى ومرحلة الشهيد أبو عمار تحديداً, كان خروج المستوطن خارج بيته يعتبر بمثابة قرار حياة أو موت بالنسبة إليه, فالطرق الإلتفافية لن تكون آمنة مع وجود عشرات المسلحين الكامنين لإصتيادهم, وفي أحيان كُثر كان قضاء ليلة هادئة في مستوطنة يعتبر أمراً مستحيلاً بسبب الإقتحامات الفدائية أو حوادث إطلاق النار من قريب وبعيد, حتى أصبح مجرد الإقامة شيئاً مُكلفاً, بالروح وفي المعنويات, وبالتالي أتخذ المستوطنيين قرارهم بالإنسحاب سراً: لن أستطيع البقاء ليوم واحد, وأيضاً لن نستطيع القتال. وفعلاً أُخليت عشرات المستوطنات تحت جنح الظلام .. هروباً.
أما اليوم فلو قُدِّر لأحد المستوطنين الذين قتلوا على طرق نابلس الإلتفافية العودة للحياة, حتماً سيكون أكثر سعادة وسيتوقف عن الندم على ذلك اليوم –المشؤوم- الذي خاطر فيه وتجرأ على النزول من بيته, فحياة المستوطنين في الضفة الغربية تمر بأبهى عصورها الذهبية النادرة, لأن قرار المستوطن في العربدة والإعتداء على المواطنين الفلسطينيين لن يكلفه سوى بعض "البانزين" الذي يكفيه للف الضفة من أعلاها إلى أدناها, فالمقاومة التي كانت تكمن وتحمي, موجودة في سجون "أهلها" الآن, والسلاح أصبح شيئاً نادراً يتعطش الفلسطيني لحمله.. وحتى كتائب شهداء الأقصى (أساتذة الإشتباكات) التابعة لحركة فتح فقد تم تصفية عناصرها على يد الإحتلال, أما ما تبقى منهم فقد أجهز عليه عبر ضمه لأجهزة الأمن والحراسة في (السطلة المحايدة), فكل شيء آمن للمستوطن وعليه أن يتعامل كأنه مواطن يملك الحصانة الثنائية.
وحين نقارن بين المستوطن (الدخيل) مع المواطن الفلسطيني, نجد أن المستوطن يتوفر له ما لا يحلم المواطن الأصلي بملكه, أقل تلك المقارنات أن المستوطن يحمل سلاحاً شخصياً من نوع رشاش (عوزي) برغم أنه غير مهدد في ماله وعرضه, وبنفس الوقت يعامل تحت "نعومة" القانون الصهيوني المدني, وليس العسكري, وهو غير مرتبط بمؤسسة الإحتلال العسكرية عقائدياً, فيما أن الفلسطيني (المُهدد) في أبناءه وزيتونه وعرضه محروم من حيازة السلاح القانوني للدفاع عن ما حلله له القانون, وإذا حاز الفلسطيني سلاحاً خلسة فإنه يعرض نفسه للمسائلة من جانب حكومته الفلسطينية, وهذه الميزة السوريالية جعلت المستوطن يأخذ بزمام المبادرة في الهجوم والإغارة, فمن أساطير هذا الزمان –السلمي- أن يكون المستوطن جريئاً وشجاعاً في إحراق المساجد, ونحن نعلمهم عكس ذلك, بل كان الفلسطيني يتمنى أن يرى مستوطناً خارج الحماية العسكرية, لأنه يثير شهوة بنادق المقاومة أكثر مما يثيرها مجسّماً للرماية والتصويب.
الآن وفي هذا الوقت يقف مستوطن ما على مدخل قرية ما ويقول: بمقدوري التوسع والإبادة وجميلٌ جداً البقاء هنا. والذين يسمعونه يكتفون بالشجب, فلا هم قاوموا ولا تركوا الغيور يقاوم... لماذا؟!


.

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

جابر عصفور.. أيها المترجم أيها الخائن


فترة وجيزة وسيبدأ المركز القومي للترجمة/مصر حملته لنقل الأدب الصهيوني إلى اللغة العربية..

والسيد "جابر عصفور" مدير المركز يسوق لمعارضيه الآف المبررات الوطنية دفاعاً عن هذا الحلم الذي يدعيه "لمعرفة الآخر"!!.

ولو أدرك جهاز الموساد فائدة هذا المشروع "الوطني" لموله من ألفه إلى يائه, وربما سيُبنى للسيد "عصفور" مركزاً ثقافياً في وسط تل أبيب ويسمونه مركز ( Bird=عصفور) للثقاقه, على غرار مركز السادات للسلام.

فللمرة الأولى عربياً يحاول مسؤول ثقافي كالسيد عصفور التحليق خارج السرب لإختراق الفضاء الثقافي العربي بمبررين أو جناحين...

الجناح الأول يكسوه الريش "الوطني" الزائف, والجناح الثاني هو شعار "إعرف عدوك" وهو جناح مكسو بالعظام البائدة, منذ أن كان العربي لا يعرف عن عدوه سوى الشائعات فقط.

وما هي إلا أجنحة ثقيلة أخذت عباس بن فرناس إلى الأسفل بدل ان تطير به مُحلقاً... ولكن الفرق بين "فرناس" و"عصفور"؛ أن "فرناس" حاول أن يكون عصفوراً ويطير, فيما السيد عصفور يطمح لأن "يتفرنس" وينتحر!!, حيث يبتدع سياسة الطيران الثقافي نحو العدو تحت شعار"أنشر لعدوك" ويحمل في مخالبه الآف العقول العربية إلى فضاء التصهين, وكأن ملايين الروايات التاريخية والمعاصرة لم تكفيه إلى الآن ليكوّن صورة إجرامية عن حقيقة ذلك العدو.. إلا إذا كان القصد هو: خلق صورة أخرى للعدو غير التي علمتها المقابر/مقابر العرب.

فهل ما يفعله السيد عصفور يُعرّف بالخيانة؟

للأسف لم يعد هذا الوصف –الخيانة- يثير غريزة الإلتزام لدى الكثير من الموصومين بها, فالمُبدع "عصفور" يقسم الخيانة إلى خيانة حقيقية و(خيانة خلاقّة), وهو كما قال: يؤمن أشدّ الإيمان بالخيانة الخلاقّة – ألا يذكرنا بفوضى رامسفيلد والكثير من مصطلحات الغموض مثل العريّ المحتشم والهدم البناء؟- والسيد جابر عصفور يعتبر نفسه خائناً خلاقاً يحمل مبدأ "إعرف عدوك" والحقيقة انه (ترجم وأنشر) لعدوك وروج الأفكار بالنيابة عن العدو, ليحدث كل هذا التواطىء الثقافي على مذبح "المعرفة" المشكوك بنواياها.

فعصفور يحاول معرفة عدوه على طريقة صانع الأعلام الذي صنع ألف علم للعدو ووزعها على جمهور العرب تحت ذريعة تحليل نوعية القماش التي رسمت عليه!!.

هي سياسة الإستيراد الفكري من العدو التي أبتدعها الكثير من الخونة –الخلاقين- قبله , ومنهم وزير الزراعة المصري (يوسف والي) الذي (نشرّ) مرض السرطان في مصر عبر التطبيع الزراعي مع الصهاينة وشعار "المعرفة" التكنولوجية للمبيدات الزراعية التي ينتجها الآخر, وداء السرطان المستورد هذا يمكن الشفاء منه بعد موت الآف المسرطنين بسبب جموح السيد يوسف والي,

ولكن كيف سيشفى المصابين من سرطان ثقافة تأديب الضحية التي ستستشري في خلايا المخ المصري الممانع للاأدب الصهيوني الذي يستورده جابر عصفور؟

نحن نعرف السبب أكثر من النتيجة, فالقارىء العربي عرف مصر من خلال أدبها الواسع الإنتشار, وعرفنا حيّ الحسين وخان الخليلي من روايات الأدباء المصريين قبل أن نزور مصر.. حتى أصبح الحسين المكان لا يقل شهرة عن الحسين الإنسان, وعشقنا أساليب الحياة في الزقاق والحارة وثقافة أبن البلد من خلال روايات الفذّ يوسف إدريس ومعاصريه, فمن روايات مصر عبرنا إليها, وتلك وظيفة الأدب, فما المانع أن يعبر نفس القارىء العربي لذات النوع من الأدب الروائي إلى المجتمع الصهيوني, وتجعله يتفاعل ويعشق "الكيبوتس" و"المستوطنة", ويتعاطف مع ضابط الجيش الصهيوني الذي قتل عشرة من الفلسطينيين لأن جرحاً نفسياً أصاب نموه الطفولي أو الطفيليّ؟ هل سنتعاطف معه ونعشق مكانه وزمانه الخارجان عن نطاق النمو الطبيعي للبشر وربما نذرف عليه دموع الشفقة أكثر مما بكت أمينة رزق في كل أفلامها؟

فالأدب هو نتيجة مكتوبة لوعيّ شعب من الشعوب, يعكس الصورة العاطفية والأخلاقية والفكرية التي وإن لم ترضى عنها فحتماً ستخلق في وعي المُتلقي خيطاً نفسياً يجعله يتفاعل مع شخوصها ويتفهم مواقفها رغماً عنه, والأدب الصهيوني خاصة الرواية منه: هو وعي أيديلوجي عدائي أو تبرير لعداء تشكله المبادىء الصهيونية تجاه الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بإنسانه ومكانه, وأضعف الإيمان أنه سيكون أدب إثبات للوجود الصهيوني في فلسطين, ولأنه أيديلوجي ومُسيس لا يملك العربي الناشىء بعد المناعه اللازمة لنقده وضحضه, فغالباً سيكون كالرصاصة الناعمة التي تخترق وتقتل بلا صوت وبدون ألم.

وجسد المستهلك العربي ما زال هشاً ولا يقوى على الطيران المُبكر, ولك في الأدب الغربي المترجم إلى السينما دليل حي على أننا نأكل الصنف الغريب قبل تذوقه ..(ويعشق وجه قاتله القتيل).

فترجمة اللاأدب الصهيوني لن تكمل الصورة عن الصهاينة, لأنها كاملة وفائضة كالهزيمة, وإذا كان ينقصها الإطار فالواجب نقل الأدب الفلسطيني إلى السوق الثقافي المصري حتى يعلم السيد عصفور جوانب المعاناة ويطير بأجنحة مُنتمية, او على السيد عصفور أن يسمع نشرة الأخبار بضمير حيّ حتى يعلم أنه ليس بالإمكان أبشع مما كان, لأن مشهداً واحداً كفيل بأن يجعل الأعمى ينظر إلى أدبهم ويراه, ولكن نية السيد عصفور تهدف إلى التحايل على الصورة الحقيقية التي نعلمها جميعاً, وهذا التحايل الجريء بشروره لن يضيف إلى الفكر العربي سوى لغة إعلامية جديدة تشبه لغة الفضائيات العرب/عبرية التي تعطي الصهيوني منبراً مجانياً ليحشو آذان المترددين بشكوك تقلق مضاجع الضحايا, وتحاول نبش الهالة المقدسة لمقبرة الثوابت.

وإذا أراد السيد عصفور ان يُرضي فضوله المتأزم فليفعل ذلك على الطريقة اليونانية القديمة... حيث كان الخمر محرماً لديهم, ولذلك أبتدعوا من أجله تحية التقبيل على الخدين من أجل إستنشاق رائحة المشبوه بالشرب, وكانت قبلة أو قبلتين تكفيان للوصول إلى المعرفة بإرتكاب الحرام, فإذا أراد السيد عصفور معرفة ما يتعاطاه الآخر, فالرجاء ألا يتمادى وليكتفي بقبلة او إثنتين وأن تكونان بالسر, فمن العيب أن يمارس فجوره الشبقي علانية بإدعاء المعرفة, فالجهل بالآخر أقل ظيماً من مغازلته علناً بالوسائل السافرة, ضارباً عاره بكل الحصون.

يَرُدّ عمنا إلياس خوري :"المنتصر يكتب التاريخ والضحايا يكتبون الأدب", ولكن في مصر سيكتب المنتصر عنا كل شيء, وهذا جرح ثقافي سيضاف إلى كتلة ضخمة من الغدر السياسي والإقتصادي الذي مارسته أنظمة الكنانة ضد فلسطين,

وعلى المثقفين المصريين الوقوف في وجه هذا العصفور وقفت حقّ وبكل الوسائل الثقافية المشروعة, حتى لا يقال بأن عربة الثقافة المصرية رُبطت في أعناق العصافير.


.

الخميس، 19 نوفمبر 2009

المُتعصب والحرامي .. في مباراة مصر والجزائر


كل الحراكات العربية بكل أنواعها.. تـُباد فيها الأجساد وتغرق بالجهد الجهود وفي النهاية الدائمة تعمر جيوب البعض بالخير..

فالصوص الذين هم آخر العنقود يتخذون مكان إستراتيجي مُشرف على كل مضارب القبيلة, يتفرجون ويُنظرون ويرقصون وأحياناً يُشجعون من بعيد, ولذلك تراهم أكثر العالمين من أين تأُكل الكتف, وهم الآن يلعبون نفس الدور الذي لعبة "رماة الجبل" في غزوة أحد, فقد علموا مكان الغنية أكثر مما علموا هدف الرمية.

ففي الجزائر وقف الرماة (مُشجعين وإعلاميين) على جبل كبير من التعصب والتفاهة اللاوطنية, فأستحقوا لقب شوفينية "القدم" عن جدارة, والمغالاة في حُب الأرجل, وكأن اللاعبين سيسددون كراتهم في رأس "فيشي" الذي قتل من الجزائريين ما يكفي لملىء مئات الملاعب الكروية, وهذا التعصب الكروي ناتج عن محاولة تعويض النقص الثقافي الذي سرقه المُحتل, فترى الجزائريين يشتمون بلغة جزارهم الفرنسي, ويتصرفون بهمجيته التي مارسها ضدهم منذ عقود, فتراهم مُنتمين نعم, ولكنهم ينتمون "للأقدام" أكثر مما ينتمون لثقافتهم العربية المُبادة, فأصبح لديهم حوّل رؤية حتى في التشجيع..يرفعون علم الجزائر في غير أوانه, بدلاً من أن يرفعوا السلاح الذي يخوضون به ألعابهم الوهمية.. وهو سلاح الحذاء "أديداس" من النوع القاذف, فعلم الجزائر أنبل من أن يأخذ دوراً هامشياً مثل هذا, والعلم أكرم من أن يُرفع بدل الحذاء, لأن العلم لا يُرمي في وجه الشقيق.. إسألوا مستر بوش.

أما مصر والتي هي ملعب كبير أخذ الحكم فيه إجازة أبدية, وأصبح اللعب فيها بلا قانون, وللمرة الأولى غدا النظام يعني الفوضى.. حتى أصبحت وصية الأب لإبنه بأن يتجنب الباصات المزحمة, لأن الرماة يتخذون مواقعهم فيها لإصتياد الغنائم.. فترى "أُتوبيس" مصر يسير مسرعاً, والرئيس يدوس ويوزع مليون جنيه لكل لاعب, أي خمسمائة الف جنيه للحذاء الواحد, فيما المُشجع الغبي يشحد ثمن التذكرة, أو يسرقها من محفظة زميله المتحمس في غمرة التشجيع... والأتوبيس يسير بسرعة .. إلى أين؟ لا أحد يعلم. فقط يكفي أن تُعلق الإعلانات التي تبث عبر الإعلام الأصفر, وليبقى "الشجيع" المصري ينط على الرصيف كعشاق الموز فيما يصعد إلى الحافلة كل من لديه الحصانة ليركب.. شركة فودفون الحمراء.. شركة موبينيل الصفراء, وسادة الكوكاكولا, والمذيع المنافق الذي ينتقي الأخبار العنصرية بقصد إثارة النعرات الوطنية الزائفة.. فالجميع يركب أتوبيس مصر للتشجيع إلا الشعب المصري.. لأن دوره أن يحمل الكل على أكتافه ,, فمصر تسير ولكن بلا عجلات.

إذا كان الإعلام الجزائري يقوده بواقي الشرذمة الناجية من حصاد الإستعمار الفرنسي وعنصريه وهمجيته, فإن مصر يُطبل لها حرامية الليل كي ترقص, هؤلاء الذين يفهمون الوطنية بمقاس جيوبهم, أو بمقاس أحذية اللعب, يدخلون في زحمة الجهل وأعينهم إلى الغنيمة وميزان الدخل.

فالمذيع التلفزيوني الذي قضى حياته يلهث خلف كرة الأطفال.. لا يهمه فضح "خِفة" الشعب وسذاجته بقدر ما يهمه إعلان تلفزيوني يكفيه لبناء "فيلا" جديدة سرق ثمنها من عقول الجهلاء, فالمجنون لا يصدق أن المعلق الرياضي مهما كان نوعه يعلم دور مصر وسمعتها وصورتها أو قدرها بقدر علمه المتوحش في هضم ثمن الإعلانات وجذب المتفرجين عليه.

ومن الجنون أن أولئك المشجعين الهمج, الذين لا يرفعون أعلام بلادهم سوى في غبار الملاعب يقدرون على تجييش شعب كامل ضد شعب شقيق!. نعم يحدث هذا في زمن التفاهة والحكم التغييبي للقائد الرئيس أو للنجل الوريث, فالشوارع مزحمة بالأجساد الذلية كما هي مزدحمة بالفقر والفساد.. والمشجع الأٌميّ ( الذي واللة كان بعضهم يرفع علم العراق ويظنه علم مصر), يقرر ذلك الأمي بأن أعداء بلده يلبسون اللون الأخضر فيكره لأجلهم حتى الأشجار, أما الآخر فهو يكره الأحمر ويستفزه كأنه ثور هائج, ويحضن الأخضر لأنه زي جيشه الموحد. وبين كل هذا الكم الغوغائي من الألوان سنصاب نحن بهستيريا الإنتقام من الطرفين ونشجع اللون البُنيّ... لأن اللون البنيّ هو الأجدر بالتشجيع من بين كل تلك الألوان الشفافة.. فهو لون الزي الذي تلبسه قوات مكافحة الشغب السودانية.. لندعوا لها ولأقدامها ولهراواتها.. من الآن وحتى تنتهي المباراة ويعود العقل.





.

الأحد، 15 نوفمبر 2009

ديكتاتورة الفكرة الواحدة.. في السياسة والعلم


أكثر الناس جنوحاً للخلود هم الذين يخترعون أشياء جديدة ومنفردة, ولذلك لن يستطيع أحدٌ الإستغناء عنهم او إنكارهم, فنحن سنحتاجهم دائماً, لا لشخوصهم الفذة, ولكن فقط ليديروا لنا مخترعاتهم المنفردة.

هناك عقول في هذه الحياة تفكر في الإختراع, إختراع شيء منفرد لم يسبقهم إليه أحد, ولا يستطيع أحد إدارته دون الرجوع إليهم, حتى لو كان هذا الإختراع مدمراً لنا.

ولكن من مساوء تلك الإفكار والإختراعات أنها تقتل الأفكار المضادة, وتعبث بما هو واقع وحسن, دون أن يفكروا في تنمية الحسن والزيادة عليه, فكل همومهم تكون منفردة وموجهة تجاه أفكارهم فقط, ولذلك يُخلدون برغم مساوىء نتائجهم.

فجميعنا نتمنى لو أن أينشتاين أخترع شيئا مضاداً للقنبلة النووية قبل أن يُنظر لأخترع القنبلة ذاتها, لكنه لم يفعل ولم يحاول أصلاً, ولذلك عاشت فكرته التدميرية إلى الآن, فأصبحت هي الفكرة ذاتها وهي المضاد لذات الفكرة, وإلى الآن ما زالت الدول جمعاء تحتاج إلى نظريته في الإبادة والتدمير, فالدول التي تخاف القنبلة الذرية تسعى إلى إمتلاك ذات الفكرة لردع الذين يملكونها. ولكن ماذا لو أخترع أينشتيان سلاحاً مضاداً لفكرته الذرية؟ ربما سيخلد إلى أبعد من الآن وكان سيأخذ جائزة صديقه التفجيري الآخر" الفرد نوبل".

أما الفيلسوف اليوناني هرقليس, وحين بلغ الستين من عمره, أدرك بأنه أقترب من الموت وأن التاريخ سيفوته قبل ان يترك أثراً, ولن ينعاه الخلود, فماذا فعل؟ قام بقلع كلاتا عينيه وقال" إن البصر يحدّ من البصيرة", وصدق سعيه بأن خُلد ودخل التاريخ عبر هذا الترويج الأعمى, وقام هرقليس طول حياته يدعو الناس إلى تبني نظريته وأن يقلدوه, ولكن (للأسف) عاش هرقليس ستين سنة أخرى وهو يندم على فعلته في السر, لأنه ظن أن تجربته على نفسه لن تدوم أكثر من بضع سنين, وبعدها يموت, ولكن الموت خذله, والعمى حالفه إلى عمره المائة والعشرين عاشها في حسرة, ولذلك ذكرناه, لا لنروج نظريته في العمى, ولكن لنؤنب عقله الذي لم يهده إلى إختراع تلسكوب أو نظارة طبية يطلق من خلالها بصره إلى آخر الكون, ويخلد بالخير وبالبصر!.

هم دائماً هكذا .. المُخلدون بجنوح أفكارهم التي تمشي على قدم واحدة.. عرجاء ومدمرة, حين تأتيهم الفكرة يتمسكون بها ويصنعون لها رجلاً من الخراب كي نبقى نذكرهم هم..فقط. ولكن نلعن أفكارهم.

هم ذاتهم يتكررون الآن في السياسة وعلى رأسهم السيد عباس, يقولون بأن(السلام هو الخيار الأول والأخير) يستميتون بفكرتهم إلتي تجرفهم إلى آخر الطريق حتى تفاجئهم الفكرة المضادة بأن (المقاومة هي التي تحرر وهي التي تقرر), فلا يقتنعوا, ويغلقوا عيونهم أمام أي فكرة أخرى ربما ستكون أفضل وأنجى, فيصبح السلام قبل الصلاة وهذا ما قاله السيد عباس في بداية كلمته أمام جمهوره في ذكرى إستشهاد أبو عمار, بدأ عباس خطابه قائلا: "السلام والصلاة على رسول الله"!!.

تلك هي دكتاتورية الرؤية الواحدة حين تشمل الأفعال و وتطبق على كل شيء,

لا يحاول السيد عباس وأصدقائه النفاذ من فكرة الحرب التي هي (أم الأشياء), ولولا أن جدهم الإنسان البدائي –الذي لم يكن قرداً يتسكع في غابات إفريقيا- مهدداً من نمر؛ لما صعد إلى الشجرة.. ولما بناً بيتاً يأويه ولما أخترع سيفاً يحميه, فالتهديد الذي شكله الحيوان على الإنسان هو المُحرض لمقاومة الإنسان أولاً... ومن ثم صعوده وسيادته على كافة المخلوقات حتى صنع من فرائهن ثوباً يتدفىء به.

ولولا المقاومة أيضاً لما عاش الفلسطيني إلى الآن, ولما عاد القيادي الفلسطيني من المنفى إلى أرضه ليقاوم منها ويتقدم من خلالها, فالمقاومة هلى التي جلبت (سلام) مؤقت لهم, والحرب هي التي أوجدت كل تلك القيادات التي تنكرت لماضيها من أجل أفكارها, أو التي تنكرت لصانعها من أجل أرزاقها, والسبب أنهم أخترعوا فكرة إسمها "التفاوض السلمي" الذي لم يقتنع به أحد, وبرغم خطأ هذه الفكرة فجميعنا نعلم بأننا سنخلد أصحابها حتى لو علمنا بأن "السلام عدو المعرفة", إذاً لماذا سنحتاجهم أبداً؟

لأنهم الوحيدين القادرون على التعامل مع هذا السلام "الفكرة", كما تعامل هرقليس باقي حياته مع العمى, ولأنهم أخترعوه حسب مقاسهم وحشرونا في داخله عنوة, لذلك سنبقى نخلدهم ونهتف بأن يرأسونا إلى الأبد لأنهم وحدهم القادرون على إدارة تلك الفكرة العرجاء وصنع قدم خشبية لها كي تسير.. ولن تسير.

كما أننا وبكل إخلاص سنذكرهم دائماً كما نذكر "نيرون" الذي حرق روما من أجل أن يخلده التاريخ ويخلد فكرته الأزلية... فلم لم يخترع نيرون سيارة الإطفاء بدلاً من كارثة الحرق؟ الشيطان الخالد نفسه لا يعلم. ربما لأننا سنعرفه بكوارثه على المدينة التي يحبها, فنحن نعرفه جيداً وندرك أنه لا يقل كارثية عن بوش وأينشتاين وكل الذين يفرضون على الشعوب أفكارهم العرجاء التي يعيشون عليها مثلما يعتاشون علينا,

ونيرون هذا كان يأتي بكتيبة كاملة من الجيش ويحضرها إلى مسرح عظيم, ويملي عليهم فكرة أخرى لا تقل أنانية عن حرق روما, وهي أن يملأوا الفضاء بالتصفيق كلما ألقى خطبة أو صرح بكلمة مهما كانت تافهة, ولكن ضيق فكرته ورؤيته الأُحادية لم ترشده بالتفكير لإستغلالهم بصنع شيء أكثر إيجابية من التصفيق...

كأن يعلموه أدب الخطابة والإقناع مثلاً

الاثنين، 9 نوفمبر 2009

أسود وأرانب


ليست المِطبعة أهم إنجازات الغازي نابليون بونابرت حين أحتل مصر, بل هناك ما هو أهم وأكثر إحتراماً من أي تقدم علمي قد يبنيه المُحتل على جثث الشعوب, ليست المطبعة برغم تكنلوجيتها, بل كانت الحروف هي الأكثر إنسانية, وتلك الحروف كونت شهادة نابليون التي قالها بعد أن مسح لعابه مودعاً ضحاياه..
وشهد حرفياً بأن" لا خير في الف من الأُسود يقودهم أرنب, وكل الخير في ألف أرنب يقودهم أسد".
فهذه الجملة براءة للشعب العربي من كل الهزائم التي تخيم على شمسه, وشهادة من قائد جرب قيادتنا لدرجة (الطبع).
وتلك الشهادة وبرغم شرفيتها لأجدادنا الذين توقفنا عن لومهم, فلم تنبت للسيد بونبارت أنياب أسد, وربما في حينه كان له, ولكن أولائك الباحثين عن حقائق حفروا في جسده حتى وجدوا حقيقة طبعه: أن نابليون "أسدّ زمانه" ما هو إلا نصف أنثى ويسري تحت زيه الإستعماري كمية طاغية من الهرمونات الأُنوثية تفوق ذكوريته, يعني ذلك أن نابليون لو عاش بضع سنين أخرى لتحول إلى أنثى أو إلى جنس ثالث.. فوفاته المتأخرة كانت خسارة,
والخسارة الأهم هي أن الشعب المصري علم بهذه الحقيقة مؤخراً للأسف, وإلا......(أنتقمنا بوسائل مبتكرة).
وبرغم الشماته المتأخرة بذلك –الأسد- الغازي, أو المخلوق النصف/نصف, فإن دواعي التنقيب عن المخلوقات التي كانت تقودنا وتزعم بأنها أسودٌ علينا أجدر وأهم, فقد قسم نابليون الحرب بأنها لقاء بين أسود وأرانب, وإنه أنتصر كأسد, فعلى من أنتصر؟
حتماً على الأرانب التي تقود ملاييناً من الأسود, فبعد أن أطبق الإحتلال الفرنسي قبضته على القاهرة دون مقاومة تذكر من قبل حكامها, أسترخص نابليون أرانب المنطقة-قياداتها-, فطمع في إحتلال فلسطين, وحين وصل غزة في عشرين رمضان 1799م, أطبق عليها الحصار, ولكن حاكم غزة العثماني" عبد الله باشا" كان له بالمرصاد حسب الطريقة (الأرنبوية) في التحرير!!, إذ خرج الوالي –الأسد- إلى سطح قصره ليستكشف الأمر, فرأى جيش فرنسا "الأرانب" يقودهم "الأسد" نابليون يحصرون غزة, ولأن الوالي عبد الله باشا ذكي, ومفترس, فقد أدرك أنه إذا لم يهرب فسيقع أسيراً, فما كان منه إلا أن أعطى الهواء قدميه وهرب مذعوراً بأقصى سرعة كالأرنب, صارخاً:أنا يطلعلي أسد؟!. وسقطت غزة أيضاً لتتوحد مع شقيقتها مصر في نفس المصير بعد أن حكمها نفس العينة من هواة الهروب,
فأعجب نابليون بموقع غزة الجغرافي ووصفها بأنها "مقدمة أفريقيا وبوابة آسيا", وهذه الحروف أيضاً أهم من المطبعة ويجب على –أسود- الحكم في مصر طبعها في مناهجهم السياسية منذ الآن.
ولكن غزة كانت بوابة نابليون إلى الجحيم حين أُبيد معظم جيشه تحت أسوار عكا, والعامل الأهم في ذلك الإنتصار العربي الوحيد على نابليون, أن عكا كان يحكم أسودها أسد (أحمد باشا الجزار).
وتستمر السلسة الزمنية ويتطور المسخ القيادي إلى حرب حزيران 67, وحين أحتل الصهاينة ذات غزة, ألقى الصهاينة القبض على حاكم غزة العسكري"عبد المنعم حسن" متخفياً في مستشفى الشفاء بزي طبيب, فأسروه كالأرنب دون أي إعتراض.
هذه ثلاث أمثلة غير مشرفة أنطبقت عليها مقولة نابليون, أزمانها متباعدة ولكن الشواهد واحدة؛ إننا لا نسقط إلا حينما يقودنا رجالٌ يحكموننا كالأسود ولكنهم "يتأربنون" أمام العدو, حتى لو كان العدو ذو مكونات أنثوية مثل بونبارت, تلك هي المعادلة الغير عادلة.
أما في الجنس الآخر من جنسية أسود الحكم لدينا, وحين حاول الروائي العالمي ماركيز وصف "سيمون بوليفار" الذي حرر أمريكا الجنوبية شبراً شبراً.. حيث يصفه ماركيز في روايته"الجنرال في متاهة" قائلاً : ( لقد أجتاز بوليفار على صهوة جواده ثمانية عشر فرسخاً, أي ما يزيد على مسافة حول العالم مرتين, ولم يكذب أحد الأسطورة القائلة أنه كان ينام وهو راكبٌ حصانه, حتى أستحق لقب: ذو المؤخرة الحديدية بفعل إحتكاكه بسرج التحرير), هكذا يصف ماركيز الأسد بوليفار الذي أمضى حياته راكباً السرج السابح ليحرر قارة كاملة,
ولكن كيف سيصف أديب عربي قائداً عربياً مثلما فعل ماركيز؟

أعتقد أن الشاعر "المظفر النواب" هو الأجدر بالتأريخ لهم, ولكن سأحاول: (لقد جلس سيادته على كرسيه منذ دخل الحكم أكثر من ثلاثين عاماً, أي ما يزيد على حكم ست رؤساء من الدول المتقدمة, ولم يكذب أحد الحقيقة القائلة أنه كان ينام ويأكل على ذات الكرسي, وحين يغدرنا غازي كان يهرب كالأرنب حتى أستحق عن جدارة لقب: ذو المؤخرة الهوائية).
وفعلاً أعتاشت بعض أرانبنا على الكرسي أكثر من ثلاثين عاماً, ولكن ليست تلك سلبيتها في كون الشعوب تكره نوعاً معيناً من المخلوقات الأليفة, ولكن الخطأ التناسلي هو الذي يضعف الأمل, فالأرانب حيوانات "مباركة" وتلد اكثر مما تمشي إلى الأمام, إنها تنجب طوال حياتها المُدجنة ثمانية عشر أرنباً معظمها بالغ الـ"جمال".
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد!!.

السبت، 24 أكتوبر 2009

مطاردة أنيس منصور في جريدة الشرق الاوسط



هل نصحك شيطانك الديمقراطي يوماً أن تقرأ جريدة تختلف معك وتكتب باسم الرأي الآخر؟
أنا حصل معي هذا.. وبالطبع ولأنني لا أُجيد اللغة العبرية فقد أهداني شيطاني ذاته بأن أقرأ في جريدة "الشرق ألاوسط"...فسألته: لما لا نترجم صحيفة عبرية إلى العربية. أجاب ربما تجد إبرة في كوم "القش الاوسط" فتزد معلوماتك ويفقه قولك وتقوى حجتك (يقصد بالابرة كاتب يبدو انه شيطان ترزي).
طاوعته, فكلنا ضعفاء امام هذا القريب البعيد, دخلت الصيحفة بقدمي الشمال ربما لأنها مغامرة شيطانية فيجب أن يكون كل شيء بالمقلوب. دخلت.. فأنتابني الرعب (ليس من الشيطان) بل لأني وإلى الآن لم أرى في حياتي كل هذه الكمية من الابتسامات المتناثرة في مكان واحد.. فقلت في نفسي .. ناس مبسوطة!! أي إقرأ للسعيد فتسعد. رأيت في الواجهة الاستاذ أنيس منصور وكان أكثرهم إبتسامة وفخراً بآخر سنين إثنين أبقاهما الدهر في فمه للستر وللرحمة, وأكيد من أجل أللا يقضي باقي عمره يشفط الشوربة السخنة!!
فأبتسمت مثله لأن الضحك عدوى.. وأكملت طريقي إلى حجرة (مقال) السيد أنيس لعلي أعلم السر الذي انفق هذا الرجل زينة أسنانه عليه.. فوجدته يكتب: " سمي الكنغر بهذا ألاسم لأن .....الخ" .
هل أضاع أنيس منصور أسنانه في الجري وراء أسم الكنجر؟ أم أن الكنجر فزع من بلاهته فلطشه شلوط أسقط تحويشة العمر من فمه؟ هذا الكاتب -وألاديب- أنيس منصور (أبو الكناجر) وفي مثل هذا السن الحرج والمليء بجوائز التقدير من بينها جائزة الدولة التقديرية-مصر. يشرح لقرآءه حكايات الجدة المُسلية وعدد أرجل الكنغر وسبب تسميته.. عندها خطر لي أن أسأله لماذا كان الشيخ كشك يتهمك بالخرفنة المبكرة ويسميك بـ إبليس مصطول بدلاً من أنيس منصور.. فعدلت عن هذا السؤال لأني أعلم وعن تجربة بأن "الشرق ألاوسط" الليبرالية لا تنشر إلا الآراء الموافقة فقط. أُنظروا إلى تعليقات ضحايا السيد أنيس وقرآءه في أسفل مقال الكنجر.. أحدهم كتب" الله الله يا أديب.. أفحمتني", هل كلمة أفحمتني إيمائة لشيء قبيح أم ترى المُعلق يستهزء!!.. وضحية أُخرى كتب:" لك قبلاتي"....!!هنا أنا صدمت, والحقيقة اني فتحت صفحة البحث"جوجل" وبحثت عن صورة كنجر لأرى علاقة هذا المخلوق بإثارة العواطف الشبقية الى درجة ارسالها بهذا الشكل العلني والحماسي في نفس الوقت. فقلبت بالصورة كثيراً ولم أجد في الكنجر سوى "القفز" و"النط".. وهذا موضوع آخر فلن أكون ضحية له لأشرح عن القفز والتشبيط.
السيد أنيس منصور وفي إحدى مقالاته التي يشرح فيها لضحاياه قصصه عندما زار القدس مع رئيسه السادات, فيقول منتشياً: "أهدانا الاسرائيليين قرآن, وعندما فتحته وجدتهم قد ختموا على سورة الفاتحة الختم التالي (هدية من جيش الدفاع الاسرائيلي) فرددت عليهم وقلت لهم: هذه غلطة".. بس!!! كثر خيرك, فعلاً كلنا نقع بالاخطاء.. والذي يحزن على الخطيئة فهو قديس ومن يفاخر بها فهو إبليس.. وأعتقد ان الشيخ كشك كان سابق عصره في إطلاق هذا الوصف على قامة شخص يجاهر بالزيارة ويفتخر بها ومن ثم يحدثنا بكبرياء عن الاهانات التي أُلصقت بجبينه مِن مَن يسميهم "جيش الدفاع".
السيد انيس منصور هذا كان قد فُصل من عمله في الجرائد القومية في عهد عبد الناصر والسبب أنه إنسان تنويمي, يشيع الخرافات والتراهات في المجتمع, وحينها كان الشارع الأدبي في مصر أفضل حالاً مما هو عليه الآن, إذ كانت القاهرة تجلس على مقعد الريادة في الادب العربي وخلافه من العلوم والسياسة والجدية أيضاً, وكان يُعرض بالقاهرة أهم المسرحيات العالمية, ويدور على صفحات جرائدها أقوى المناقشات الفكرية التي يقودها عباس العقاد وطه حسين, ولم يكن لعبد الناصر أن يقبل بوجود كاتب مثل (أبو الكناغر) بينهم, ويلوث ألاجواء بالحديث عن ألاطباق الطائرة وتحضير الارواح وعن المخلوقات التي تأتي لتشرب من الارض وتعود إلى المريخ.. وأخيراً عن الكنغر النطناط.. فالأدب رسالة بناء تحيي الموهبة العقلية والتوعوية للشعوب, وليس لتنويمهم وإدخالهم إلى جيب الكنجر للبحث عن البيضة والذي فقسها, وإلا.. فمن هدم الاتحاد السوفيتي ونخر عظامه سوى ألادباء اليهود الذين تعلموا من جيبه ومن ثم شرشحوه في العالم.
قرأت مرة ان أديبين أمريكيين هما أصحاب فكرة الاستغناء عن النفط والبحث عن الطاقة البديلة, ومن ثم اخذت الحكومات الأمريكيه بالفكرة ووضعتها في معامل البحوث, ومازالوا يحاولون.. عسى ان ينجحوا لننجوا من شر وطمع شاريه, وفساد وجشع بائعيه.
هذا هو الخيال الادبي وإبداعه وليس سحب القارىء العربي من أذنه ووضعها أسفل قدميه ليسمع طنين هرطقاتك مسيو أنيس. أو أن تـُكابر بالاهانات التي تلقيتها مع سيدك الزائر من غشامة عدوك ومقدار استهزائه بكما, وبالتالي بكتابكما المقدس الشريف. هذا العدو الذي سفك من دم الشعب المصري اكثر مما سفك المغول من حبرمكتبة بغداد. فلكل دين خلق وخلق الاسلام الحياء!!.
ولكن الدم سرعان ما يصبح ماءاً في عيون الـ" أنا", فالسيد أنيس سرعان ما كوفىء على ترهاته وعين رئيساً لتحرير جريدة "مايو" السادتيه, فكافىء الصاهينة بكتاباته, وأصبحت في عهده من أهم منابر التطبيع والتعاون مع أعداء الأمس.

ربما سيدافع أحدهم قائلاً بان السيد انيس من اعلى الكتاب العرب توزيعاً لإنتاجه الكتبي.. لا ضير في الكم, فالكوكاكولا أيضاً صاحبة اعلى نسبة توزيع من إنتاجها الغازي.. فهل هذا يعني بأنها أكثر فائدة من الحليب!!.. هذا النوع من الغزارة في التوزيع يعكس حالة من الركود العلمي والثقافي في الشارع العربي حتى لو كان بالملايين, فمجلة مثل روتانا ربما توزع بالملايين بينما مجلة آتية من مايكروسفت لا تراها على بسطة الجرائد إلا عندما تسقط سهواً من سيارة التوزيع.. فهذا النوع من الكتابة التنظيرية الرديئة يبحث عنها القارىء الذي ربما يكون قد فقد أمه, ويبحث عن كاتب يحكي له قصص ما قبل النوم.. ليحلم بالكنغر والأشباح بدلاً من أسلاك الكمبيوتر المعقدة والأدب الجاد!!. وكما يقول نيتشه: الطفل الذي يأكل الحلوى بدل الخبز سيكون سعيداً ولكن مستقبلاً سيصاب بالقلق المعوي والهشاشة.
ولا تلوم الطفل او المواطن العربي بل اللوم على من يتخذون من الخرافات والسفاهات ثقافة ومهنة من أجل أن ياكلوا العيش على حساب من يأكلون الهواء.
وهنا سؤال يقتحم مُستميتاً: لماذا لا يتقاعد هؤلاء الكتاب بعد سن معين, مثلما يصل أصحاب أي مهنة إلى سن التقاعد, مثل المشعوذين والدجالين وقراء الكف.. إليس هناك سن معين "للإبداع" كما يقولون.. أم أننا نسير في ركب المثل القائل بموت الزمار ويده بتلعب. هناك قوة خفية تحرك أصابع هؤلاء حتى بعد نفاذ العقل. ما هي تلك القوى التي تبدأ بحرف "ميم"؟. (مال_Money_ملاليم_معاش)
لا اعلم .. ربما تكون واحدة فقط من تلك الخيارات.
هذا هو أنيس منصور الذي طردني من صفحته بجريدة "الشرق الاوسط" هارباً وناجياً بما تبقى داخل رأسي من عقل, وعندما هممت بالخروج من تلك الحُفرة, لمحت كاتبأ يلبس الدشداشة والعقال.. فقلت لعل هذا الوجه السمح يعيد لي ثقتي ولعله يكون ألإبرة الضائعة, فأخذني شغفي إلى مقال ذلك الكاتب وهو شاب في عز إنتاجه البديع, فوجدته قد كتب" لم يطاوعني ضميري بان آكل تلك البيضة المسلوقة عندما تذكرت كم عانت امها الدجاجة المسكينة قبل ان تبيضها, فأشفقت".!! أنت أيضاً؟؟!! سود الله وجهك يا ابو البيض. ومن حينها تقاعدت عن الديمقراطية والرأي الآخر.. لأنو العقل مش بعزقة.

هذه عينة من كتاب ليبراليين يكتبون في صحيفة واحدة ويأتمرون بسياسة تحريرها والتي ترتكز على أربع ركائز تعتاش على نقد الجدّ.. ألا وهي: - مهاجمة المقاومة – مهاجمة ايران – التنظير للإستسلام والتطبيع مع العدو – ورابعا: الليبرالية.. هل ترى يحق لهم أن يكونوا منظرين لقراءهم, هم وصحيفتهم العقيمة؟ وفرضاً انهم ملؤوا آذاننا بتلك التراهات التي يقولونها.. فماذا سنكون؟ ربما لن نأكل البيض المسلوق وسنعرف كيف ينط الكنغر.. لأنها بباسطة تلك أسمى مشاكلهم وأفكارهم التي تراها في إبتساماتهم "الحريرية".. من أبو الكناغر إلى أبو البيض المسلوق يا امة لا تحزني. وعلى رأي أحد الكبار"إن الفرق بين كاتب متعفف وآخر متعهر أن ألاول مُثقل بواجب بينما الثاني مُثقل به ذلك الواجب".

وبالنسبة لي وأخيراً اخيراً وجدت الإبرة الضائعة في كوم القش ألاوسطي هذا.. وتكمن في الاجابة عن هذا المثل البرازيلي المتسائل.. لماذا يظن الحمار دائماً بأنه جدير لأن يقود صفاً من الجياد؟
ربما لأنهم سيعلنون حرباً على الكنغر!!.

الخميس، 22 أكتوبر 2009

جبل الكنافة يطفئ جبل النار


شتان بين نار ونار.. أو كما يقولون ليس كل ما هو أحمر يكون ناراً.. أو يحسبه البردان ناراً ويطلع صبغة كنافة.

كل شيء لا يذكرك بواقعك فهو ثانوي.. وكل حدث لا يدق رأسك لتتألم ومن ثم تفيق فهو مُسكن.. ووهمٌ مقيت.. وبالتالي فإن أي حدث لا يمت إلى الواقع بصلة فلن يمت إليه (ببصلة)..

ولن يكون أكثر من لمّة غابرة تُنسى مثل كل القرابين والأضاحي التي ذبحها الوالد احتفالاًً بمولد ابنه الجديد.. بعد أن كبر ألابن وزادت همومه ومطالبه.. فالابن الآن لا يذكر سوى الواقع والحقائق والمطالب... ولن يهمه حتى لو سجلت تلك الأضاحي والحلويات والولائم الجماعية في موسوعة جينس.. فمطالب الابن التي تكبر معه، جديرة بأن تمحوا من الذاكرة كل الحلوى التي وزعت على شرف قدومه.. ولو أن الأب وزعّ الحلوى لكي ينسي ابنه حقوقه عليه ويرشيه بها، فستكون تلك نكتة وخديعة أكبر من جبل الكنافة الأخير.

سرتّ في أول انتفاضة الأقصى قصة مفادها أن إحدى المدن الفلسطينية بصدد بناء اكبر مقلاع للحجارة في العالم.. لتكون هذه المقلاع رمزاً من رموز التراث الفلسطيني المقاوم، مثلها مثل سيف النصر ببغداد (القديمة)، أو مثل تمثال الحرية في نيويورك... كم سيكون هذا العمل رائعاً لو حصل فعلاً.. بل ربما كان الواحد منا سيأخذ مع تلك المقلاع الحجرية الضخمة صورة تذكارية "يتفشخر" ويكابر بها أمام أهل نيويورك أنفسهم، باعتبار أن مقلاعنا حقيقية، وتمثل رمزاً حياً لقصص واقعية من الكفاح.. بينما تمثالهم المستورد (صنم الحرية) رمزاً جميلاً ولكنه ليس واقعياً ولا يعكس الحرية الغبية التي تضربنا بها أمريكا على رؤوسنا لكي نصدق صنمهم.. فكان ضربهم أكثرة حُمرة وخشونة ودموية من الكلام الأبيض الناعم، ومن تلك الجميلة التي تحمل الشعلة في التمثال.. فهو لا يصلح أن يكون أكثر من ولاعة لسيجارة طيار يخترق فضائه.

وتلك المقلاع التي تواردت لو تم لها الانجاز فلن تقل قيمتها عن قيمة برج القاهرة والذي بني من أعظم رشوة في العالم كان الرئيس الأمريكي روزفلت يحاول من خلالها شراء ذمة الطاهر جمال عبد الناصر بخمسة ملايين دولار.. فأخذها عبد الناصر وبنى بها برجاً شاهداً على نظافة يده.. وعالياً فوق قذارة يد أصحاب تمثال الحرية!!. ولذلك بقي برج القاهرة يُسمى إلى الآن بخازوق روزفلت.. وفعلاً كان خازوقاً يحتدى بصلابته.

وفي النهاية اكتشفنا ان فكرة المقلاع لم تكن خطة بناءها سوى وهمّ. ولكن وإلى الآن أشعر أنها ربما تكون بنية في إحدى مدن فلسطين.. ربما في غزة؟ ربما تكون هناك. وربما سميت "مقلاع الحرية".. وهل ستدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية؟ - أكيد، لأنه وإلى الآن لم يبدع أي شعبٌ مُحتل في العالم فكرة بمثل بساطة وقوة المقلاع الذي أستخدمه الطفل الفلسطيني في انتفاضاته.. وطبعاً لن يخطر في بال أي فنان غير فلسطيني أن يبني مقلاعاً حجرياً يبلغ ارتفاعه ما يقارب العشرون متراً.. مقلاعاً رمزياً فقط، لا يضرب ولكن دائماً يُذكر. فهذا حدث سيكون جديراً بأن تشكره الذاكرة ويُسر به الوعي المتتالي.

أما الذين صاموا وصاموا ثم أفطروا على كنافة في مدينة نابلس (جبل النار)، فلهم أن تشكرهم أمعائهم الدقيقة والغليظة.. بعيداً بعيداً عن الواقع وعن الذاكرة، المواطنين جاؤوا لاقتناص الفرحة القليلة، هذا حقهم المسلوب فلا أحد يلوم، ولكن الحدث ذاته - سدر كنافة طوله 74 متراً- كان أصغر من طبق زعتر بقيمته المعنوية... رئيس وزراء، ألاف العساكر، كميرات، فضائيات، محافظين، وكل من جاء ليأخذ صورة مع سيادتهم جاء وجلس في سدر القعدة: أنا هنا متضامن في الأكل. كل هذه الهلمه كانت تقول: أيها الناس، كل شيء على ما يرام، وكل شيء أُنجز، وغزة بخير والأسرى ينظرون إلينا عبر شاشة التلفاز ويبعثون إليكم بسلام، فالأسرى لن يسيل لعابهم لأن حلوقهم نشفت، وأيضاً لا يتمنوا بان يأكلوا ويحتفلوا معنا، لأنهم دائماً يعطون ولا يأخذون، هم عودونا عليهم هكذا، فلا ذنب لنا.. فهيا لنتحلى أما الكميرات!!.

- يقول الواقف بعيداً: يا للهول!! هذه أول مرة يكون مجرد (سدر الكنافة) هو الحدث وليس - نحن-.

هناك الآلاف من الأحداث في فلسطين تستحق أن نوقظ جينس من التراب ونحضره ليكتب عنها ويصفع بها وجه العالم.. وتلك الأحداث أكثر تعبيراً عن فلسطين ووقعها.. أكثر تعبيراً من الجبنة والشعيرية والبندق والسبغة الحمراء:

- أكثر عدد من المساجين في العالم يقبعون داخل سجن واحد وبين فكيّ الجدار العنصري (3.5 مليون فلسطيني) في الضفة الغربية.

- أكبر زنزانة في التاريخ الإنساني ضمتها غزة (1.5 مليون فلسطيني) محاصرون.

- أكبر عدد أسرى بالنسبة لشعب (11 ألف أسير)

- أصغر طفلة تقتل عمرها 10 أيام.

- أكثر عدد من الرصاصات أُفرغت في جسد فتاة عمرها 12 عاماً (ثلاثيون رصاصة).

- قلع أكثر من (13.000.000) ثلاثة عشر مليون شجرة.

- أعلى نسبة فقر في العالم جراء عوامل خارجية(احتلال) 80% فقير.

- أكثر عدد حواجز تفتيش في العالم، (5000) حاجزاً متنقلاً و763 حاجزاً ثابتاً.

والأهم ان الشعب الفلسطيني أكثر شعب في العالم مورست ضده محاولات لتغييب الوعي.. ومحاولات مسبوغة بالأحمر لينسوه الأحمر الحقيقي الذي ينزف منه.. ولكن كل تلك الولائم التغيبية وإن أكلها الشعب، فهي حتماً مآلها إلى... (دورة المياه). مثل ملهاة الطبخ تلك.

وصحتين لجوف الأرض.

الاثنين، 12 أكتوبر 2009

ماذا تبقى من شرعيتهم




بعد إفشال التصويت على قرار جولدستون, خرج علينا بعض كتبت القصر بمبرراتهم المستفيدة, والتي تقول بأن: (الشرعية, تعلم مصلحة الوطن). لندع هنا مصلحة الوطن المنهوبة جانباً, ولنمسك مستمتين بالشطر الأول من المبرر الذي اخرجوه على أنفسهم, هل يقصدون بالشرعية بأن الشعب أصبح يعيش في حظيرة واسعة مُحاطة بالجدار ومن حق الحاكم بأمر لا أحد أن يتاجر ويغامر ويبقشش على من يشاء من معارفه بحقوقنا!.
والحقيقة أنها ليست حقوقنا بل هي حقوق الشهداء الذين دائماً ما يكونوا كرمانة الميزان في يدي قياداتنا المستهترة,
وإن أراد السيد عباس ان يبقشش ويساوم فليفعل من حقوق عائلة "ميرزا" الكريمة, وليترك هذا الدم الطاهر بعيداً عن حلبات السياسة التي ساروا في ركبها حتى ركبتهم.
وبعد ما قُدم من تخاذل وبصفتي مواطن فلسطيني من حقي أن أقول أنك لا تمثلني أيها الرئيس "الشش ...رعي",
فمن الذي أعطى تلك الأصابع البيضاء كأنامل شجرة الدر هذا الحق الإلهي بالتصرف بالدم؟
الشرعية؟ ...إنها بيضة الديك وإذا تحدث أحدهم عن شرعية الرئاسة الفلسطينية ووطنيتها, لا يسعك يا أخي الفلسطيني سوى أن تقلب جيوبك وتصك خدودك وتنفش شعر رأسك في دليل شرعي على إفلاسك المادي والمعنوي والأخوي والعاطفي تجاههم.
ولا ضير لو أعطيت قدميك للريح وركضت بخطى واسعة كمجنون الحارة.. وهذا حقك الذي تكفله لك كل الشرعيات والكوارث الدولية, والجنون حق إنساني يروج له كل رئيس عربي لمواطنيه.
فما الذي كان وما الذي تبقى من شرعية الرئيس الفلسطيني وأبواقه سوى أن بعض أقلام النميمة ما زالت على العهد!.
ومرة أخرى: ماذا بقي من شرعية الرئيس الفلسطيني وكل برنامجه السياسي, الداخلي والخارجي؟

ولنبدأ بالثوابت القانونية, فالسيد عباس مدد لنفسه بعد فترة إنتهاء ولايته القانونية, والسبب طبعاً ليس سلبياً من وجهة نظره, ولكن هذا مرض رئاسي عربي شامل مثل إنفلونزا الخريف, حيث يصل أي رئيس منهم الى مرحلة التخريف والعمى, بحيث يظن بأن الرحم الذي أنجبه لم ينجب سواه, وأنه حالة فردية لا يمكن أن يجود بها الزمن مرتين, ولذلك يفني كل عمره يعصر نفسه من أجلنا حتى يُخرج كل البروتيانات والفيتامينات التي لا يمتلكها أحد غيره من العالمين.

ثانياً, أما شرعية الثقة الوطنية, التي دائما يكتسبها الرئيس من رعاياه, كان السيد عباس قد فقدها مع أول صاروخ أُطلق على قطاع غزة ومع أول سلك مُحاصر للقطاع, ومن ثم مع أول مُباركة لهذا السلك وذلك الصاروخ من قبل أعمدة السلطة المُنكسرة.. من نبيل1 إلى نبيل2.حتى نبيل3. وبعد ذلك تصفية المقاومين وسجنهم إنتهاءاً بإفشال تقرير جولدستون, وهذا وحده جدير بتقديم كل قيادة الصف الأول إلى محاكمة عسكرية وطنية والحكم بإعدامهم بآخر ما توصل اليه علم السباب والشتائم من ذخيرة حية.

ثالثاً, الشرعية السياسية, وحدث عن هذا العار بلا حرج, فمنذ قدوم السيد عباس إلى كرسي الخلود(الحُكم) لم يكسب الشعب الفلسطيني أكثر من بضع سنتميترات مُحررة على خدود أولمرت, ومن بعده ربما سنربح شفايف نتنياهو, فيما نخسر كل يوم الاًف الدونيمات على قمم جبال الضفة التي أستبيحت بالمغتصبات.

رابعاً. الشرعية الدينية, لم نستفد من إيمانهم القوي سوى المزيد من التطنيش للمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينتي القدس والخليل, والذي أتبته مسؤول ملف القدس السيد حاتم عبد القادر حين قدم إستقالته لأن السلطة لم تنفق في اوج كرمها أكثر من 1% من ميزانيتها على تعزيز صمود أهلنا في القدس الشريف.
وأيضاً التمييز العنصر الذي يُندى له الجبين في الوظائف الحكومية ضد من تظهر عليه علامات التدين.

خامساً, الشرعية القومية التي كانت أهم الإمتدادات الوطنية الفلسطينية إلى العمق العربي, حيث تسقط كل يوم عندما تقع السلطة في حفرة واحدة مع الحكومات الرجعية واللاوطنية واللاعربية, المُطبعة, والمتعاونة, والمُنظرة للعدو.

سادساً, الشرعية الإقتصادية, وليبذل السيد فياض أقصى طاقته حتى يسقط شعر رأسه, فهو لن يستطيع قطع يد الشحدة التي مدها السياسي الفلسطيني منذ أول يوم طلق فيه التحرير وسعى فيه للحكم, ولكنها ليست شحدة بالمجان كالتي يمارسها أطفال الشوارع في الأزقـّة والحارات, ولكنها شحدة أشبه بالديّن الذي يكون عليه رسوم الفائدة الوطنية, أي ان تلك الشحدة لو طبقها الاطفال المتشردون فلن تجدهم يقفون على إشارات المرور يسترزقون بدموعهم, ولكن ستسمع أن المُشحدّ أخذهم معه إلى شقته ليقتل إنسانيتهم ببرود,, إنها شحدة بالمقابل, يقتل السياسي الفلسطيني إنسانية قضيته مقابل مال للتجميل العام وسرعان ما ستهدمه جرافات الاحتلال.
أو في أكثر الظروف رفاهية سيحول إقتصادنا إلى هدف بحد ذاته,, ان نبني قصور من رمل البحر, كما وعد المُرابي نتنياهو الذي يمثل الآن دور اليهودي "شايلوك" في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير, حين دعى إلى سلام إقتصادي يحمل فيه الفلسطيني الزاد ويسافر ليُعمر المستوطنات و يبني الكُنس, وربما سيكون سياسيينا هم المقاولون كما حدث في الجدار العازل.
لقد كان الشعب الفلسطيني يعيش أنتفاضته الأولى تحت سيف الجوع وأكملها دون أي حسابات إقتصادية يرسمها له عمال البنوك, كان حسبه يجد قوت اولاده دون مقابل قد يمنع عملية إستشهادية من أجل رغيف السم.
ولم يبني "الفيت من" سياسات إقتصادية على حساب الخنادق التي كانوا ينفذون من خلالها إلى قواعد المُحتل, ولم يكن هناك قصور يخاف على هدمها المقاوم بجنوب لبنان. بل كان الثوار في كل بقاع الأرض يقاتلون جوعى و"على البساطة البساطة" كما تقول الأغنية الحكيمة.


سابعاً, أما الشرعية الثقافية, وهي الأهم, تُعاني يُتماً لا مثيل له, فمعاملة المثقفين في الضفة الغربية تتم على أساس الإنتماء الحزبي, الذي بات يُفضل على الإنتماء الوطني كما يحث في كل ديكتاتوية مجاورة, فالصحفيون دائماً مهددين بالإعتقال من قبل الاجهزة الأمنية, أو الاعتداء عليهم من قبل فحول الولاء, أما الدعم الثقافي فكله منصب على أقدام فرق الدبكة.. حيث أصبحوا يضعون الدبكة والرقص في خانة المُقاومة الثقافية, والأجدر بأن توضع في خانة الغيظ والإستفزاز العلمي لإسرائيل.. – فنحن نستطيع أن ندبك ونطنط وانتم لا أيها الأعداء الصهاينة.. موتوا بغيظكم.
ومن ثم يُخرج الدبيك لسانه إلى العدو ويستفزه.!!
وكل هذا العبث على حساب ماذا؟ على حساب المحافظة على الثقافة الحقيقية (والرجاء عدم دعمها. فقط حافطوا عليها كما هي). والثقافة الحقيقية تكون بربط المواطن بأهم إرث قد يضيع, وهو الجغرافيا وتعميق الإنتماء اليها وتعينها وحتى قياسها بالمللمتر. وأتحدى انه وفي خلال عشر سنوات قادمة سيحولون الضفة الغربية إلى مجتمع دبيك وهزاز بإسم التراث, بعدما يفقد الشباب عرقهم وطاقتهم في الفن لأجل الفن.
مثل الأفارقة الجوعي الذين يسحلون بناطيلهم فقط لتقليد السود بأمريكا عبر حركاتهم الشيطانية, والأصابع التي تصنع قرون, والجماجم المُعلقة على الصدور, وهي مان وتس أب.
أنهم فنانون ومعاصرين نعم, ولكن الأهم أنهم نسوا أنهم جياع ومظلموين, فالشكليات دائماً تغلب إذا أصبحت ركائز وتقليد لا يفيد, مثل الدبكة لأجل الدبكة.
يستطيع الجميع أن يراهم على تلفزيون فلسطين كيف يقاومون بالإستفزاز والغيظ, دون بث أغنية وطنية واحدة من الأغاني التي تجرح وتـُنبه, لأننا فعلاً مجروحين وبحاجة إلى منبه, وبحاجة إلى فن وثقافة ذات هوية حقيقية وليست شكلاً للهو والمرح فقط.
فالرقص والدبكة ليست ثقافة إذا لم يقرأ كل الجيل الفلسطيني رواية عائد إلى حيفا, وإذا لم يستطيعوا عدّ كل ما قـُلع من برتقال يافا.
"لقد هزمنا ثقافياً قبل أن نهزم ساسياً" قالها محمود درويش, والآن فإن المهزومين سياسياً يهزموننا ثقافياً ويروجون لثقافة النسيان والهزيمة, عبر ثقافة اللهو والتغييب.
فهناك عدوان للثقافة وللهوية الوطنية الفلسطينية "العميقة", لم يستطع الإحتلال الترويج لهما عندما كان يمارس طُغيانه مُنفرداً: الجهل والرأسمالية. فالجهل يعم عن طريق النسيان وعبر ثقافة سطحية تعني أنه لا يوجد ثقافة أصلاً.
أما الرأسمالية فهي أشد خطراً من أموال الغني على إبنه المدلل.. وأكثر قبحاً من حساسية المتعلم الفقير تجاه قصر جاره الجاهل!!.. هل يستطيع أحد من خارج دائرتنا أن يصدق بأن ذوي الشرعية الذين ينتشرون كإنفلونزا الخنازير يركبون سيارة "الهمر" في قرى فقيرة ومُحتلة لا يوجد بها مكتبة عامة واحدة؟! وخالية من أي نشاط ثقافي حقيقي قد يدعمه أحد, فمن سيدعم ثقافة البقاء والصمود؟
شرعيتهم الصفراء؟
حتى تعم وتستشري كالأنيمية في أمخاخ الشعب ربما ستذهب الجارة وتدق باب جارتها بعد الظهر وتستلف منها كيلو شرعية بدل كيلو الملح,
لقد أصبحت كذبة الشرعية تلصق في الطبخة السياسية حتى حولوا الطعام إلى فاسد والهدف منه الشبع الشخصي ومن ثم النوم دون عمل ذو مجهود حقيقي.
ألم أقل أنهم لا يضمنون للإنسان سوى حفنة من الجنون.
أما إلى الشرعية, فهي حتماً ستبقى تلازم القوي والغني والمدعوم على إمتداد الوطن المُستباح, ولكنها حتما خسرت حرف "الشين" ليكونوا "رعية" فقط. لكن لهم راعي يحميهم غير راعينا.
لقد نسيت شرطاً مهماً يضعه علماء الإجتماع كشرط للشرعية ألا وهو الكاريزما.
ربما العجوز التي لا تتقن السياسة ولكنها تعلم معدن الرجال الأُصلاء من أشكالهم, ستجيب حازنة:
-يا حسرة من أين, ألا تراهم مثل رجال الثلج!!
فلم لا تأخذوا شرعيتكم وتنصرفوا؟





الأحد، 11 أكتوبر 2009

سيبقى موطني رغم كل اعدائه

وأيضاً أنتصر الدم


لا ترثوه
ولا تحملوا عبىء الحداد
إنه ثقيل لن تقووا عليه
معاركه كانت كثيره
وعلمته التجارب

قلدوه..
كيف خلق سيفاً لذكراه
ونمى مخلباً لساعديه
أو إنسوه.. لا تشفقوا عليه
لأنه دم
ويعلم كيف يُعاقب


بعد إنتصار تموز المجيد قال السيد حسن نصر الله: "إن المقاومة تقود حملة توعية بالدم ". لم يقصد السيد حينها بأن الدم سيوضع في أقلام سائله لتكتب وتُعلم من تآمر عليه.. بل حسب هذا الدم يعلو فوق من خان ويكشفه ولو بعد حين
وتلك كانت النبوئة كاملة:
فشهداء حرب تموز 2006 سيبقى دمهم يُمانع ويقاتل إلى اللانهاية.. بينما الشيخ الذي حرّم الدُعاء لهم مات كالإبل على فراشه بعدما سال دمه وهو حيّ على عتبات السلاطين, فمات ناشفاً جافاً بلا دم ودون ماء وجه أيضاً.. والقدر أراد أن يموت في نفس شهر تموز أيضاً (شهر أن حاول إقفال أبواب السماء فقط لأنه يملك لحية أطول من لحى المؤمنين) مات بعد ثلاث سنين فكان تموز الشهداء ما زال يتردد بعد أن أنكفىء تموز الشيخ وتمدد. فأنتصر الدم.

أما دم شهداء مصر المجيدة الذي أسقى تراب سيناء في 6 أكتوبر 73 فبقي عائماً في أرض مصر.. نازفاً يُعاتب في السر.. ويلوم قائد المعركه الذي صافح اليدّ التي قتلتهم دون ان يُحقق سطراً واحداً من أحلامهم ولا حرفأ من هتافهم (الله أكبر حتى القدس)
فإذا بالقائد يتوعك وينقلب, خاف وأراد أن يفرض رسالته الخائفة عنوة, فعبر من فوق جثثهم وأتجه إلى القدس مُستسلماً للقاتل, ومُتبرءاً من أحلام المقتولين, إلى أن جآء أكتوبر آخر ولكن بعد 8 سنوات, فترجل دم الشهداء ومشى في عروق أبطال عرفهم, يشبهونه ويشبههم, حتى وصل إلى سواعدهم, فأمر بإطلاق الرصاص على القائد الذي خان جنوده وسامح بدمهم, فوقع القائد ومشى من فوقه دم الشهداء منتصراً في ذات اليوم من ذات الشهر.
وقبل غد وفي ذكرى النصر 6 اكتوبر 2009 كان وعيّ دم الجيش المصري ما زال يطوف في أزقة القاهرة, يتفقد مصير أعلامه وراياته التي رفعها في القتال, إلى أن توقف فوق إستاد رياضي تدور فيه معركة فكاهية بين فريقي مصر وكوستريكا, معركة لهو بالكورة, مُبارة في كرة القدم كل اهدافها نسيان, وإنتصار على ذكرى الدم, جمهور مليوني من ذات الشعب يطمح بإنتصارات طفولية, يرقصون وهم يحملون أعلاماً للعب لا للحرب, ليست للنصر, وليست للحياة بل للتغييب, فغار دم أكتوبر القديم على اهل أكتوبر الحالي, فأمر بإطلاق الحزن, فأنهزم اللاهون(0/2), فعادوا إلى بيوتهم وأعادوا أعلام مناسبات (المرح) خاصتهم إلى الأقبية لتعشش عليها خيوط العنكبوت. هكذا تحايل دم الشهداء على هتافات اللهو التي تضيع تحتها الذاكرة. فانتصر الدم أيضاً وأجبرهم على ذكراه.

أما دم شهداء غزة..آه
من لي لغزة أن يأخذني لاجئاً فأعيش حُراً ولو كنت مُقيداً

كان وحيداً واحداً .. فغدا شهيداً .. ثم أنقسم إلى ثلاقة مقاتلين: روحاً ودماً وجسد
الروح تصعد والجسد يُكلل بالتراب, أما الدم فلا هو ماءاً ليتبخر ولا هو نبع رملٌ لينسجم.. بل بقي يعوم فوق غزة, يضيء ويقاتل. يضيء الطريق أمام من بقي من الرفاق فيشير إلى أعداء الأمل, ويقاتل المعدن بحمرته السائلة, وقت أن غابت حُمرة الخجل.

نعلم يا دم غزة انك كنت وحيداً.. نعلم انهم عزوا عليك دموعهم وأنت تنزف من أجلهم. ونعلم أكثر أنهم كانوا يضربون من (تظاهر فقط) لأجلك.
وقت ان كنت تكتب بذاتك إسمهم قبل إسمك..كانوا يتهامسون مع شياطينهم ويشجعوهم على إستباحتك.
وها هم الآن في كهنوت الخيانة ما زالوا يضربون رؤسهم الخشبية على الأوراق التي فقط حاولت ان تثنصفك. فشكرناك وانت تسيل
وأيضاً الآن نشكرك.. نشكرك لأنك انتصرت مرتين: الأولى على أخلاق قاتلك. والثانية على أنك ما زلت تكشف من حال بيننا وبين دمك.
فها نحن الآن نقرأ إضاءت وصيتك:"يا أخي لن ينفع إغلاق الباب ما دام الشيطان يختبىء في صالة منزلك " حفظناها وصدقناك.. ومن أصدق من دم الشهداء؟
أنتصرت مرة أخرى يا دم غزة.
فهنيئاً لك شهادتك, ووعيك, وإرثك.