السبت، 24 أكتوبر 2009

مطاردة أنيس منصور في جريدة الشرق الاوسط



هل نصحك شيطانك الديمقراطي يوماً أن تقرأ جريدة تختلف معك وتكتب باسم الرأي الآخر؟
أنا حصل معي هذا.. وبالطبع ولأنني لا أُجيد اللغة العبرية فقد أهداني شيطاني ذاته بأن أقرأ في جريدة "الشرق ألاوسط"...فسألته: لما لا نترجم صحيفة عبرية إلى العربية. أجاب ربما تجد إبرة في كوم "القش الاوسط" فتزد معلوماتك ويفقه قولك وتقوى حجتك (يقصد بالابرة كاتب يبدو انه شيطان ترزي).
طاوعته, فكلنا ضعفاء امام هذا القريب البعيد, دخلت الصيحفة بقدمي الشمال ربما لأنها مغامرة شيطانية فيجب أن يكون كل شيء بالمقلوب. دخلت.. فأنتابني الرعب (ليس من الشيطان) بل لأني وإلى الآن لم أرى في حياتي كل هذه الكمية من الابتسامات المتناثرة في مكان واحد.. فقلت في نفسي .. ناس مبسوطة!! أي إقرأ للسعيد فتسعد. رأيت في الواجهة الاستاذ أنيس منصور وكان أكثرهم إبتسامة وفخراً بآخر سنين إثنين أبقاهما الدهر في فمه للستر وللرحمة, وأكيد من أجل أللا يقضي باقي عمره يشفط الشوربة السخنة!!
فأبتسمت مثله لأن الضحك عدوى.. وأكملت طريقي إلى حجرة (مقال) السيد أنيس لعلي أعلم السر الذي انفق هذا الرجل زينة أسنانه عليه.. فوجدته يكتب: " سمي الكنغر بهذا ألاسم لأن .....الخ" .
هل أضاع أنيس منصور أسنانه في الجري وراء أسم الكنجر؟ أم أن الكنجر فزع من بلاهته فلطشه شلوط أسقط تحويشة العمر من فمه؟ هذا الكاتب -وألاديب- أنيس منصور (أبو الكناجر) وفي مثل هذا السن الحرج والمليء بجوائز التقدير من بينها جائزة الدولة التقديرية-مصر. يشرح لقرآءه حكايات الجدة المُسلية وعدد أرجل الكنغر وسبب تسميته.. عندها خطر لي أن أسأله لماذا كان الشيخ كشك يتهمك بالخرفنة المبكرة ويسميك بـ إبليس مصطول بدلاً من أنيس منصور.. فعدلت عن هذا السؤال لأني أعلم وعن تجربة بأن "الشرق ألاوسط" الليبرالية لا تنشر إلا الآراء الموافقة فقط. أُنظروا إلى تعليقات ضحايا السيد أنيس وقرآءه في أسفل مقال الكنجر.. أحدهم كتب" الله الله يا أديب.. أفحمتني", هل كلمة أفحمتني إيمائة لشيء قبيح أم ترى المُعلق يستهزء!!.. وضحية أُخرى كتب:" لك قبلاتي"....!!هنا أنا صدمت, والحقيقة اني فتحت صفحة البحث"جوجل" وبحثت عن صورة كنجر لأرى علاقة هذا المخلوق بإثارة العواطف الشبقية الى درجة ارسالها بهذا الشكل العلني والحماسي في نفس الوقت. فقلبت بالصورة كثيراً ولم أجد في الكنجر سوى "القفز" و"النط".. وهذا موضوع آخر فلن أكون ضحية له لأشرح عن القفز والتشبيط.
السيد أنيس منصور وفي إحدى مقالاته التي يشرح فيها لضحاياه قصصه عندما زار القدس مع رئيسه السادات, فيقول منتشياً: "أهدانا الاسرائيليين قرآن, وعندما فتحته وجدتهم قد ختموا على سورة الفاتحة الختم التالي (هدية من جيش الدفاع الاسرائيلي) فرددت عليهم وقلت لهم: هذه غلطة".. بس!!! كثر خيرك, فعلاً كلنا نقع بالاخطاء.. والذي يحزن على الخطيئة فهو قديس ومن يفاخر بها فهو إبليس.. وأعتقد ان الشيخ كشك كان سابق عصره في إطلاق هذا الوصف على قامة شخص يجاهر بالزيارة ويفتخر بها ومن ثم يحدثنا بكبرياء عن الاهانات التي أُلصقت بجبينه مِن مَن يسميهم "جيش الدفاع".
السيد انيس منصور هذا كان قد فُصل من عمله في الجرائد القومية في عهد عبد الناصر والسبب أنه إنسان تنويمي, يشيع الخرافات والتراهات في المجتمع, وحينها كان الشارع الأدبي في مصر أفضل حالاً مما هو عليه الآن, إذ كانت القاهرة تجلس على مقعد الريادة في الادب العربي وخلافه من العلوم والسياسة والجدية أيضاً, وكان يُعرض بالقاهرة أهم المسرحيات العالمية, ويدور على صفحات جرائدها أقوى المناقشات الفكرية التي يقودها عباس العقاد وطه حسين, ولم يكن لعبد الناصر أن يقبل بوجود كاتب مثل (أبو الكناغر) بينهم, ويلوث ألاجواء بالحديث عن ألاطباق الطائرة وتحضير الارواح وعن المخلوقات التي تأتي لتشرب من الارض وتعود إلى المريخ.. وأخيراً عن الكنغر النطناط.. فالأدب رسالة بناء تحيي الموهبة العقلية والتوعوية للشعوب, وليس لتنويمهم وإدخالهم إلى جيب الكنجر للبحث عن البيضة والذي فقسها, وإلا.. فمن هدم الاتحاد السوفيتي ونخر عظامه سوى ألادباء اليهود الذين تعلموا من جيبه ومن ثم شرشحوه في العالم.
قرأت مرة ان أديبين أمريكيين هما أصحاب فكرة الاستغناء عن النفط والبحث عن الطاقة البديلة, ومن ثم اخذت الحكومات الأمريكيه بالفكرة ووضعتها في معامل البحوث, ومازالوا يحاولون.. عسى ان ينجحوا لننجوا من شر وطمع شاريه, وفساد وجشع بائعيه.
هذا هو الخيال الادبي وإبداعه وليس سحب القارىء العربي من أذنه ووضعها أسفل قدميه ليسمع طنين هرطقاتك مسيو أنيس. أو أن تـُكابر بالاهانات التي تلقيتها مع سيدك الزائر من غشامة عدوك ومقدار استهزائه بكما, وبالتالي بكتابكما المقدس الشريف. هذا العدو الذي سفك من دم الشعب المصري اكثر مما سفك المغول من حبرمكتبة بغداد. فلكل دين خلق وخلق الاسلام الحياء!!.
ولكن الدم سرعان ما يصبح ماءاً في عيون الـ" أنا", فالسيد أنيس سرعان ما كوفىء على ترهاته وعين رئيساً لتحرير جريدة "مايو" السادتيه, فكافىء الصاهينة بكتاباته, وأصبحت في عهده من أهم منابر التطبيع والتعاون مع أعداء الأمس.

ربما سيدافع أحدهم قائلاً بان السيد انيس من اعلى الكتاب العرب توزيعاً لإنتاجه الكتبي.. لا ضير في الكم, فالكوكاكولا أيضاً صاحبة اعلى نسبة توزيع من إنتاجها الغازي.. فهل هذا يعني بأنها أكثر فائدة من الحليب!!.. هذا النوع من الغزارة في التوزيع يعكس حالة من الركود العلمي والثقافي في الشارع العربي حتى لو كان بالملايين, فمجلة مثل روتانا ربما توزع بالملايين بينما مجلة آتية من مايكروسفت لا تراها على بسطة الجرائد إلا عندما تسقط سهواً من سيارة التوزيع.. فهذا النوع من الكتابة التنظيرية الرديئة يبحث عنها القارىء الذي ربما يكون قد فقد أمه, ويبحث عن كاتب يحكي له قصص ما قبل النوم.. ليحلم بالكنغر والأشباح بدلاً من أسلاك الكمبيوتر المعقدة والأدب الجاد!!. وكما يقول نيتشه: الطفل الذي يأكل الحلوى بدل الخبز سيكون سعيداً ولكن مستقبلاً سيصاب بالقلق المعوي والهشاشة.
ولا تلوم الطفل او المواطن العربي بل اللوم على من يتخذون من الخرافات والسفاهات ثقافة ومهنة من أجل أن ياكلوا العيش على حساب من يأكلون الهواء.
وهنا سؤال يقتحم مُستميتاً: لماذا لا يتقاعد هؤلاء الكتاب بعد سن معين, مثلما يصل أصحاب أي مهنة إلى سن التقاعد, مثل المشعوذين والدجالين وقراء الكف.. إليس هناك سن معين "للإبداع" كما يقولون.. أم أننا نسير في ركب المثل القائل بموت الزمار ويده بتلعب. هناك قوة خفية تحرك أصابع هؤلاء حتى بعد نفاذ العقل. ما هي تلك القوى التي تبدأ بحرف "ميم"؟. (مال_Money_ملاليم_معاش)
لا اعلم .. ربما تكون واحدة فقط من تلك الخيارات.
هذا هو أنيس منصور الذي طردني من صفحته بجريدة "الشرق الاوسط" هارباً وناجياً بما تبقى داخل رأسي من عقل, وعندما هممت بالخروج من تلك الحُفرة, لمحت كاتبأ يلبس الدشداشة والعقال.. فقلت لعل هذا الوجه السمح يعيد لي ثقتي ولعله يكون ألإبرة الضائعة, فأخذني شغفي إلى مقال ذلك الكاتب وهو شاب في عز إنتاجه البديع, فوجدته قد كتب" لم يطاوعني ضميري بان آكل تلك البيضة المسلوقة عندما تذكرت كم عانت امها الدجاجة المسكينة قبل ان تبيضها, فأشفقت".!! أنت أيضاً؟؟!! سود الله وجهك يا ابو البيض. ومن حينها تقاعدت عن الديمقراطية والرأي الآخر.. لأنو العقل مش بعزقة.

هذه عينة من كتاب ليبراليين يكتبون في صحيفة واحدة ويأتمرون بسياسة تحريرها والتي ترتكز على أربع ركائز تعتاش على نقد الجدّ.. ألا وهي: - مهاجمة المقاومة – مهاجمة ايران – التنظير للإستسلام والتطبيع مع العدو – ورابعا: الليبرالية.. هل ترى يحق لهم أن يكونوا منظرين لقراءهم, هم وصحيفتهم العقيمة؟ وفرضاً انهم ملؤوا آذاننا بتلك التراهات التي يقولونها.. فماذا سنكون؟ ربما لن نأكل البيض المسلوق وسنعرف كيف ينط الكنغر.. لأنها بباسطة تلك أسمى مشاكلهم وأفكارهم التي تراها في إبتساماتهم "الحريرية".. من أبو الكناغر إلى أبو البيض المسلوق يا امة لا تحزني. وعلى رأي أحد الكبار"إن الفرق بين كاتب متعفف وآخر متعهر أن ألاول مُثقل بواجب بينما الثاني مُثقل به ذلك الواجب".

وبالنسبة لي وأخيراً اخيراً وجدت الإبرة الضائعة في كوم القش ألاوسطي هذا.. وتكمن في الاجابة عن هذا المثل البرازيلي المتسائل.. لماذا يظن الحمار دائماً بأنه جدير لأن يقود صفاً من الجياد؟
ربما لأنهم سيعلنون حرباً على الكنغر!!.

الخميس، 22 أكتوبر 2009

جبل الكنافة يطفئ جبل النار


شتان بين نار ونار.. أو كما يقولون ليس كل ما هو أحمر يكون ناراً.. أو يحسبه البردان ناراً ويطلع صبغة كنافة.

كل شيء لا يذكرك بواقعك فهو ثانوي.. وكل حدث لا يدق رأسك لتتألم ومن ثم تفيق فهو مُسكن.. ووهمٌ مقيت.. وبالتالي فإن أي حدث لا يمت إلى الواقع بصلة فلن يمت إليه (ببصلة)..

ولن يكون أكثر من لمّة غابرة تُنسى مثل كل القرابين والأضاحي التي ذبحها الوالد احتفالاًً بمولد ابنه الجديد.. بعد أن كبر ألابن وزادت همومه ومطالبه.. فالابن الآن لا يذكر سوى الواقع والحقائق والمطالب... ولن يهمه حتى لو سجلت تلك الأضاحي والحلويات والولائم الجماعية في موسوعة جينس.. فمطالب الابن التي تكبر معه، جديرة بأن تمحوا من الذاكرة كل الحلوى التي وزعت على شرف قدومه.. ولو أن الأب وزعّ الحلوى لكي ينسي ابنه حقوقه عليه ويرشيه بها، فستكون تلك نكتة وخديعة أكبر من جبل الكنافة الأخير.

سرتّ في أول انتفاضة الأقصى قصة مفادها أن إحدى المدن الفلسطينية بصدد بناء اكبر مقلاع للحجارة في العالم.. لتكون هذه المقلاع رمزاً من رموز التراث الفلسطيني المقاوم، مثلها مثل سيف النصر ببغداد (القديمة)، أو مثل تمثال الحرية في نيويورك... كم سيكون هذا العمل رائعاً لو حصل فعلاً.. بل ربما كان الواحد منا سيأخذ مع تلك المقلاع الحجرية الضخمة صورة تذكارية "يتفشخر" ويكابر بها أمام أهل نيويورك أنفسهم، باعتبار أن مقلاعنا حقيقية، وتمثل رمزاً حياً لقصص واقعية من الكفاح.. بينما تمثالهم المستورد (صنم الحرية) رمزاً جميلاً ولكنه ليس واقعياً ولا يعكس الحرية الغبية التي تضربنا بها أمريكا على رؤوسنا لكي نصدق صنمهم.. فكان ضربهم أكثرة حُمرة وخشونة ودموية من الكلام الأبيض الناعم، ومن تلك الجميلة التي تحمل الشعلة في التمثال.. فهو لا يصلح أن يكون أكثر من ولاعة لسيجارة طيار يخترق فضائه.

وتلك المقلاع التي تواردت لو تم لها الانجاز فلن تقل قيمتها عن قيمة برج القاهرة والذي بني من أعظم رشوة في العالم كان الرئيس الأمريكي روزفلت يحاول من خلالها شراء ذمة الطاهر جمال عبد الناصر بخمسة ملايين دولار.. فأخذها عبد الناصر وبنى بها برجاً شاهداً على نظافة يده.. وعالياً فوق قذارة يد أصحاب تمثال الحرية!!. ولذلك بقي برج القاهرة يُسمى إلى الآن بخازوق روزفلت.. وفعلاً كان خازوقاً يحتدى بصلابته.

وفي النهاية اكتشفنا ان فكرة المقلاع لم تكن خطة بناءها سوى وهمّ. ولكن وإلى الآن أشعر أنها ربما تكون بنية في إحدى مدن فلسطين.. ربما في غزة؟ ربما تكون هناك. وربما سميت "مقلاع الحرية".. وهل ستدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية؟ - أكيد، لأنه وإلى الآن لم يبدع أي شعبٌ مُحتل في العالم فكرة بمثل بساطة وقوة المقلاع الذي أستخدمه الطفل الفلسطيني في انتفاضاته.. وطبعاً لن يخطر في بال أي فنان غير فلسطيني أن يبني مقلاعاً حجرياً يبلغ ارتفاعه ما يقارب العشرون متراً.. مقلاعاً رمزياً فقط، لا يضرب ولكن دائماً يُذكر. فهذا حدث سيكون جديراً بأن تشكره الذاكرة ويُسر به الوعي المتتالي.

أما الذين صاموا وصاموا ثم أفطروا على كنافة في مدينة نابلس (جبل النار)، فلهم أن تشكرهم أمعائهم الدقيقة والغليظة.. بعيداً بعيداً عن الواقع وعن الذاكرة، المواطنين جاؤوا لاقتناص الفرحة القليلة، هذا حقهم المسلوب فلا أحد يلوم، ولكن الحدث ذاته - سدر كنافة طوله 74 متراً- كان أصغر من طبق زعتر بقيمته المعنوية... رئيس وزراء، ألاف العساكر، كميرات، فضائيات، محافظين، وكل من جاء ليأخذ صورة مع سيادتهم جاء وجلس في سدر القعدة: أنا هنا متضامن في الأكل. كل هذه الهلمه كانت تقول: أيها الناس، كل شيء على ما يرام، وكل شيء أُنجز، وغزة بخير والأسرى ينظرون إلينا عبر شاشة التلفاز ويبعثون إليكم بسلام، فالأسرى لن يسيل لعابهم لأن حلوقهم نشفت، وأيضاً لا يتمنوا بان يأكلوا ويحتفلوا معنا، لأنهم دائماً يعطون ولا يأخذون، هم عودونا عليهم هكذا، فلا ذنب لنا.. فهيا لنتحلى أما الكميرات!!.

- يقول الواقف بعيداً: يا للهول!! هذه أول مرة يكون مجرد (سدر الكنافة) هو الحدث وليس - نحن-.

هناك الآلاف من الأحداث في فلسطين تستحق أن نوقظ جينس من التراب ونحضره ليكتب عنها ويصفع بها وجه العالم.. وتلك الأحداث أكثر تعبيراً عن فلسطين ووقعها.. أكثر تعبيراً من الجبنة والشعيرية والبندق والسبغة الحمراء:

- أكثر عدد من المساجين في العالم يقبعون داخل سجن واحد وبين فكيّ الجدار العنصري (3.5 مليون فلسطيني) في الضفة الغربية.

- أكبر زنزانة في التاريخ الإنساني ضمتها غزة (1.5 مليون فلسطيني) محاصرون.

- أكبر عدد أسرى بالنسبة لشعب (11 ألف أسير)

- أصغر طفلة تقتل عمرها 10 أيام.

- أكثر عدد من الرصاصات أُفرغت في جسد فتاة عمرها 12 عاماً (ثلاثيون رصاصة).

- قلع أكثر من (13.000.000) ثلاثة عشر مليون شجرة.

- أعلى نسبة فقر في العالم جراء عوامل خارجية(احتلال) 80% فقير.

- أكثر عدد حواجز تفتيش في العالم، (5000) حاجزاً متنقلاً و763 حاجزاً ثابتاً.

والأهم ان الشعب الفلسطيني أكثر شعب في العالم مورست ضده محاولات لتغييب الوعي.. ومحاولات مسبوغة بالأحمر لينسوه الأحمر الحقيقي الذي ينزف منه.. ولكن كل تلك الولائم التغيبية وإن أكلها الشعب، فهي حتماً مآلها إلى... (دورة المياه). مثل ملهاة الطبخ تلك.

وصحتين لجوف الأرض.

الاثنين، 12 أكتوبر 2009

ماذا تبقى من شرعيتهم




بعد إفشال التصويت على قرار جولدستون, خرج علينا بعض كتبت القصر بمبرراتهم المستفيدة, والتي تقول بأن: (الشرعية, تعلم مصلحة الوطن). لندع هنا مصلحة الوطن المنهوبة جانباً, ولنمسك مستمتين بالشطر الأول من المبرر الذي اخرجوه على أنفسهم, هل يقصدون بالشرعية بأن الشعب أصبح يعيش في حظيرة واسعة مُحاطة بالجدار ومن حق الحاكم بأمر لا أحد أن يتاجر ويغامر ويبقشش على من يشاء من معارفه بحقوقنا!.
والحقيقة أنها ليست حقوقنا بل هي حقوق الشهداء الذين دائماً ما يكونوا كرمانة الميزان في يدي قياداتنا المستهترة,
وإن أراد السيد عباس ان يبقشش ويساوم فليفعل من حقوق عائلة "ميرزا" الكريمة, وليترك هذا الدم الطاهر بعيداً عن حلبات السياسة التي ساروا في ركبها حتى ركبتهم.
وبعد ما قُدم من تخاذل وبصفتي مواطن فلسطيني من حقي أن أقول أنك لا تمثلني أيها الرئيس "الشش ...رعي",
فمن الذي أعطى تلك الأصابع البيضاء كأنامل شجرة الدر هذا الحق الإلهي بالتصرف بالدم؟
الشرعية؟ ...إنها بيضة الديك وإذا تحدث أحدهم عن شرعية الرئاسة الفلسطينية ووطنيتها, لا يسعك يا أخي الفلسطيني سوى أن تقلب جيوبك وتصك خدودك وتنفش شعر رأسك في دليل شرعي على إفلاسك المادي والمعنوي والأخوي والعاطفي تجاههم.
ولا ضير لو أعطيت قدميك للريح وركضت بخطى واسعة كمجنون الحارة.. وهذا حقك الذي تكفله لك كل الشرعيات والكوارث الدولية, والجنون حق إنساني يروج له كل رئيس عربي لمواطنيه.
فما الذي كان وما الذي تبقى من شرعية الرئيس الفلسطيني وأبواقه سوى أن بعض أقلام النميمة ما زالت على العهد!.
ومرة أخرى: ماذا بقي من شرعية الرئيس الفلسطيني وكل برنامجه السياسي, الداخلي والخارجي؟

ولنبدأ بالثوابت القانونية, فالسيد عباس مدد لنفسه بعد فترة إنتهاء ولايته القانونية, والسبب طبعاً ليس سلبياً من وجهة نظره, ولكن هذا مرض رئاسي عربي شامل مثل إنفلونزا الخريف, حيث يصل أي رئيس منهم الى مرحلة التخريف والعمى, بحيث يظن بأن الرحم الذي أنجبه لم ينجب سواه, وأنه حالة فردية لا يمكن أن يجود بها الزمن مرتين, ولذلك يفني كل عمره يعصر نفسه من أجلنا حتى يُخرج كل البروتيانات والفيتامينات التي لا يمتلكها أحد غيره من العالمين.

ثانياً, أما شرعية الثقة الوطنية, التي دائما يكتسبها الرئيس من رعاياه, كان السيد عباس قد فقدها مع أول صاروخ أُطلق على قطاع غزة ومع أول سلك مُحاصر للقطاع, ومن ثم مع أول مُباركة لهذا السلك وذلك الصاروخ من قبل أعمدة السلطة المُنكسرة.. من نبيل1 إلى نبيل2.حتى نبيل3. وبعد ذلك تصفية المقاومين وسجنهم إنتهاءاً بإفشال تقرير جولدستون, وهذا وحده جدير بتقديم كل قيادة الصف الأول إلى محاكمة عسكرية وطنية والحكم بإعدامهم بآخر ما توصل اليه علم السباب والشتائم من ذخيرة حية.

ثالثاً, الشرعية السياسية, وحدث عن هذا العار بلا حرج, فمنذ قدوم السيد عباس إلى كرسي الخلود(الحُكم) لم يكسب الشعب الفلسطيني أكثر من بضع سنتميترات مُحررة على خدود أولمرت, ومن بعده ربما سنربح شفايف نتنياهو, فيما نخسر كل يوم الاًف الدونيمات على قمم جبال الضفة التي أستبيحت بالمغتصبات.

رابعاً. الشرعية الدينية, لم نستفد من إيمانهم القوي سوى المزيد من التطنيش للمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينتي القدس والخليل, والذي أتبته مسؤول ملف القدس السيد حاتم عبد القادر حين قدم إستقالته لأن السلطة لم تنفق في اوج كرمها أكثر من 1% من ميزانيتها على تعزيز صمود أهلنا في القدس الشريف.
وأيضاً التمييز العنصر الذي يُندى له الجبين في الوظائف الحكومية ضد من تظهر عليه علامات التدين.

خامساً, الشرعية القومية التي كانت أهم الإمتدادات الوطنية الفلسطينية إلى العمق العربي, حيث تسقط كل يوم عندما تقع السلطة في حفرة واحدة مع الحكومات الرجعية واللاوطنية واللاعربية, المُطبعة, والمتعاونة, والمُنظرة للعدو.

سادساً, الشرعية الإقتصادية, وليبذل السيد فياض أقصى طاقته حتى يسقط شعر رأسه, فهو لن يستطيع قطع يد الشحدة التي مدها السياسي الفلسطيني منذ أول يوم طلق فيه التحرير وسعى فيه للحكم, ولكنها ليست شحدة بالمجان كالتي يمارسها أطفال الشوارع في الأزقـّة والحارات, ولكنها شحدة أشبه بالديّن الذي يكون عليه رسوم الفائدة الوطنية, أي ان تلك الشحدة لو طبقها الاطفال المتشردون فلن تجدهم يقفون على إشارات المرور يسترزقون بدموعهم, ولكن ستسمع أن المُشحدّ أخذهم معه إلى شقته ليقتل إنسانيتهم ببرود,, إنها شحدة بالمقابل, يقتل السياسي الفلسطيني إنسانية قضيته مقابل مال للتجميل العام وسرعان ما ستهدمه جرافات الاحتلال.
أو في أكثر الظروف رفاهية سيحول إقتصادنا إلى هدف بحد ذاته,, ان نبني قصور من رمل البحر, كما وعد المُرابي نتنياهو الذي يمثل الآن دور اليهودي "شايلوك" في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير, حين دعى إلى سلام إقتصادي يحمل فيه الفلسطيني الزاد ويسافر ليُعمر المستوطنات و يبني الكُنس, وربما سيكون سياسيينا هم المقاولون كما حدث في الجدار العازل.
لقد كان الشعب الفلسطيني يعيش أنتفاضته الأولى تحت سيف الجوع وأكملها دون أي حسابات إقتصادية يرسمها له عمال البنوك, كان حسبه يجد قوت اولاده دون مقابل قد يمنع عملية إستشهادية من أجل رغيف السم.
ولم يبني "الفيت من" سياسات إقتصادية على حساب الخنادق التي كانوا ينفذون من خلالها إلى قواعد المُحتل, ولم يكن هناك قصور يخاف على هدمها المقاوم بجنوب لبنان. بل كان الثوار في كل بقاع الأرض يقاتلون جوعى و"على البساطة البساطة" كما تقول الأغنية الحكيمة.


سابعاً, أما الشرعية الثقافية, وهي الأهم, تُعاني يُتماً لا مثيل له, فمعاملة المثقفين في الضفة الغربية تتم على أساس الإنتماء الحزبي, الذي بات يُفضل على الإنتماء الوطني كما يحث في كل ديكتاتوية مجاورة, فالصحفيون دائماً مهددين بالإعتقال من قبل الاجهزة الأمنية, أو الاعتداء عليهم من قبل فحول الولاء, أما الدعم الثقافي فكله منصب على أقدام فرق الدبكة.. حيث أصبحوا يضعون الدبكة والرقص في خانة المُقاومة الثقافية, والأجدر بأن توضع في خانة الغيظ والإستفزاز العلمي لإسرائيل.. – فنحن نستطيع أن ندبك ونطنط وانتم لا أيها الأعداء الصهاينة.. موتوا بغيظكم.
ومن ثم يُخرج الدبيك لسانه إلى العدو ويستفزه.!!
وكل هذا العبث على حساب ماذا؟ على حساب المحافظة على الثقافة الحقيقية (والرجاء عدم دعمها. فقط حافطوا عليها كما هي). والثقافة الحقيقية تكون بربط المواطن بأهم إرث قد يضيع, وهو الجغرافيا وتعميق الإنتماء اليها وتعينها وحتى قياسها بالمللمتر. وأتحدى انه وفي خلال عشر سنوات قادمة سيحولون الضفة الغربية إلى مجتمع دبيك وهزاز بإسم التراث, بعدما يفقد الشباب عرقهم وطاقتهم في الفن لأجل الفن.
مثل الأفارقة الجوعي الذين يسحلون بناطيلهم فقط لتقليد السود بأمريكا عبر حركاتهم الشيطانية, والأصابع التي تصنع قرون, والجماجم المُعلقة على الصدور, وهي مان وتس أب.
أنهم فنانون ومعاصرين نعم, ولكن الأهم أنهم نسوا أنهم جياع ومظلموين, فالشكليات دائماً تغلب إذا أصبحت ركائز وتقليد لا يفيد, مثل الدبكة لأجل الدبكة.
يستطيع الجميع أن يراهم على تلفزيون فلسطين كيف يقاومون بالإستفزاز والغيظ, دون بث أغنية وطنية واحدة من الأغاني التي تجرح وتـُنبه, لأننا فعلاً مجروحين وبحاجة إلى منبه, وبحاجة إلى فن وثقافة ذات هوية حقيقية وليست شكلاً للهو والمرح فقط.
فالرقص والدبكة ليست ثقافة إذا لم يقرأ كل الجيل الفلسطيني رواية عائد إلى حيفا, وإذا لم يستطيعوا عدّ كل ما قـُلع من برتقال يافا.
"لقد هزمنا ثقافياً قبل أن نهزم ساسياً" قالها محمود درويش, والآن فإن المهزومين سياسياً يهزموننا ثقافياً ويروجون لثقافة النسيان والهزيمة, عبر ثقافة اللهو والتغييب.
فهناك عدوان للثقافة وللهوية الوطنية الفلسطينية "العميقة", لم يستطع الإحتلال الترويج لهما عندما كان يمارس طُغيانه مُنفرداً: الجهل والرأسمالية. فالجهل يعم عن طريق النسيان وعبر ثقافة سطحية تعني أنه لا يوجد ثقافة أصلاً.
أما الرأسمالية فهي أشد خطراً من أموال الغني على إبنه المدلل.. وأكثر قبحاً من حساسية المتعلم الفقير تجاه قصر جاره الجاهل!!.. هل يستطيع أحد من خارج دائرتنا أن يصدق بأن ذوي الشرعية الذين ينتشرون كإنفلونزا الخنازير يركبون سيارة "الهمر" في قرى فقيرة ومُحتلة لا يوجد بها مكتبة عامة واحدة؟! وخالية من أي نشاط ثقافي حقيقي قد يدعمه أحد, فمن سيدعم ثقافة البقاء والصمود؟
شرعيتهم الصفراء؟
حتى تعم وتستشري كالأنيمية في أمخاخ الشعب ربما ستذهب الجارة وتدق باب جارتها بعد الظهر وتستلف منها كيلو شرعية بدل كيلو الملح,
لقد أصبحت كذبة الشرعية تلصق في الطبخة السياسية حتى حولوا الطعام إلى فاسد والهدف منه الشبع الشخصي ومن ثم النوم دون عمل ذو مجهود حقيقي.
ألم أقل أنهم لا يضمنون للإنسان سوى حفنة من الجنون.
أما إلى الشرعية, فهي حتماً ستبقى تلازم القوي والغني والمدعوم على إمتداد الوطن المُستباح, ولكنها حتما خسرت حرف "الشين" ليكونوا "رعية" فقط. لكن لهم راعي يحميهم غير راعينا.
لقد نسيت شرطاً مهماً يضعه علماء الإجتماع كشرط للشرعية ألا وهو الكاريزما.
ربما العجوز التي لا تتقن السياسة ولكنها تعلم معدن الرجال الأُصلاء من أشكالهم, ستجيب حازنة:
-يا حسرة من أين, ألا تراهم مثل رجال الثلج!!
فلم لا تأخذوا شرعيتكم وتنصرفوا؟





الأحد، 11 أكتوبر 2009

سيبقى موطني رغم كل اعدائه

وأيضاً أنتصر الدم


لا ترثوه
ولا تحملوا عبىء الحداد
إنه ثقيل لن تقووا عليه
معاركه كانت كثيره
وعلمته التجارب

قلدوه..
كيف خلق سيفاً لذكراه
ونمى مخلباً لساعديه
أو إنسوه.. لا تشفقوا عليه
لأنه دم
ويعلم كيف يُعاقب


بعد إنتصار تموز المجيد قال السيد حسن نصر الله: "إن المقاومة تقود حملة توعية بالدم ". لم يقصد السيد حينها بأن الدم سيوضع في أقلام سائله لتكتب وتُعلم من تآمر عليه.. بل حسب هذا الدم يعلو فوق من خان ويكشفه ولو بعد حين
وتلك كانت النبوئة كاملة:
فشهداء حرب تموز 2006 سيبقى دمهم يُمانع ويقاتل إلى اللانهاية.. بينما الشيخ الذي حرّم الدُعاء لهم مات كالإبل على فراشه بعدما سال دمه وهو حيّ على عتبات السلاطين, فمات ناشفاً جافاً بلا دم ودون ماء وجه أيضاً.. والقدر أراد أن يموت في نفس شهر تموز أيضاً (شهر أن حاول إقفال أبواب السماء فقط لأنه يملك لحية أطول من لحى المؤمنين) مات بعد ثلاث سنين فكان تموز الشهداء ما زال يتردد بعد أن أنكفىء تموز الشيخ وتمدد. فأنتصر الدم.

أما دم شهداء مصر المجيدة الذي أسقى تراب سيناء في 6 أكتوبر 73 فبقي عائماً في أرض مصر.. نازفاً يُعاتب في السر.. ويلوم قائد المعركه الذي صافح اليدّ التي قتلتهم دون ان يُحقق سطراً واحداً من أحلامهم ولا حرفأ من هتافهم (الله أكبر حتى القدس)
فإذا بالقائد يتوعك وينقلب, خاف وأراد أن يفرض رسالته الخائفة عنوة, فعبر من فوق جثثهم وأتجه إلى القدس مُستسلماً للقاتل, ومُتبرءاً من أحلام المقتولين, إلى أن جآء أكتوبر آخر ولكن بعد 8 سنوات, فترجل دم الشهداء ومشى في عروق أبطال عرفهم, يشبهونه ويشبههم, حتى وصل إلى سواعدهم, فأمر بإطلاق الرصاص على القائد الذي خان جنوده وسامح بدمهم, فوقع القائد ومشى من فوقه دم الشهداء منتصراً في ذات اليوم من ذات الشهر.
وقبل غد وفي ذكرى النصر 6 اكتوبر 2009 كان وعيّ دم الجيش المصري ما زال يطوف في أزقة القاهرة, يتفقد مصير أعلامه وراياته التي رفعها في القتال, إلى أن توقف فوق إستاد رياضي تدور فيه معركة فكاهية بين فريقي مصر وكوستريكا, معركة لهو بالكورة, مُبارة في كرة القدم كل اهدافها نسيان, وإنتصار على ذكرى الدم, جمهور مليوني من ذات الشعب يطمح بإنتصارات طفولية, يرقصون وهم يحملون أعلاماً للعب لا للحرب, ليست للنصر, وليست للحياة بل للتغييب, فغار دم أكتوبر القديم على اهل أكتوبر الحالي, فأمر بإطلاق الحزن, فأنهزم اللاهون(0/2), فعادوا إلى بيوتهم وأعادوا أعلام مناسبات (المرح) خاصتهم إلى الأقبية لتعشش عليها خيوط العنكبوت. هكذا تحايل دم الشهداء على هتافات اللهو التي تضيع تحتها الذاكرة. فانتصر الدم أيضاً وأجبرهم على ذكراه.

أما دم شهداء غزة..آه
من لي لغزة أن يأخذني لاجئاً فأعيش حُراً ولو كنت مُقيداً

كان وحيداً واحداً .. فغدا شهيداً .. ثم أنقسم إلى ثلاقة مقاتلين: روحاً ودماً وجسد
الروح تصعد والجسد يُكلل بالتراب, أما الدم فلا هو ماءاً ليتبخر ولا هو نبع رملٌ لينسجم.. بل بقي يعوم فوق غزة, يضيء ويقاتل. يضيء الطريق أمام من بقي من الرفاق فيشير إلى أعداء الأمل, ويقاتل المعدن بحمرته السائلة, وقت أن غابت حُمرة الخجل.

نعلم يا دم غزة انك كنت وحيداً.. نعلم انهم عزوا عليك دموعهم وأنت تنزف من أجلهم. ونعلم أكثر أنهم كانوا يضربون من (تظاهر فقط) لأجلك.
وقت ان كنت تكتب بذاتك إسمهم قبل إسمك..كانوا يتهامسون مع شياطينهم ويشجعوهم على إستباحتك.
وها هم الآن في كهنوت الخيانة ما زالوا يضربون رؤسهم الخشبية على الأوراق التي فقط حاولت ان تثنصفك. فشكرناك وانت تسيل
وأيضاً الآن نشكرك.. نشكرك لأنك انتصرت مرتين: الأولى على أخلاق قاتلك. والثانية على أنك ما زلت تكشف من حال بيننا وبين دمك.
فها نحن الآن نقرأ إضاءت وصيتك:"يا أخي لن ينفع إغلاق الباب ما دام الشيطان يختبىء في صالة منزلك " حفظناها وصدقناك.. ومن أصدق من دم الشهداء؟
أنتصرت مرة أخرى يا دم غزة.
فهنيئاً لك شهادتك, ووعيك, وإرثك.